Author

الغرب يتقاذف «نووي» إيران

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"سنكرس كل جهودنا للدفاع عن الاتفاق النووي، وهذا الدفاع هو منهجنا الواضح"
إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا

يقترب الموعد النهائي لتقديم الاتحاد الأوروبي ما يرضي الولايات المتحدة حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران. إنه في الشهر المقبل، وهو ما جعل المشاورات والاتصالات بين الجانبين متوترة بصورة معلنة وواضحة. الفارق هذه المرة بين الحلفاء في المشاورات عن سابقاتها بهذا الشأن، أن الإدارة الأمريكية ليست متفقة مع الرؤية الأوروبية. بعض المسؤولين الأمريكيين المتشددين يعتقدون أن الأوروبيين ساذجون بهذا الخصوص إلى حد الغيظ، وآخرون يرون أن أوروبا مهتمة بالمكاسب الاقتصادية التي ستجنيها من إيران، أكثر من طبيعة الاتفاق نفسه، والدليل على ذلك تكالب الشركات الأوروبية، وتشجيع الحكومات لها لدخول السوق الإيرانية. بدا هذا واضحا، حتى بعد تهديدات أمريكية لهذه الشركات من مغبة ملاحقتها إذا ما أخطأت في حراكها الاقتصادي مع النظام الإيراني. والخطأ هنا وارد جدا، بتداخل الاقتصاد الإيراني مع النشاطات الإرهابية للنظام الحاكم هناك.
ممثل وزارة الخارجية الأمريكية كان واضحا "كما رئيسه دونالد ترمب"، عندما قال "سننسحب من الاتفاق النووي مع إيران في حال لم يعمل الشركاء الأوروبيون على تصحيح أوجه القصور فيه". وأوجه القصور هنا باختصار، أن القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجيا اعتبارا من 2025، ولا بد من إطالتها. آليات المراقبة والتفتيش غير كافية، لأنها لا تشمل مواقع عسكرية. الاتفاق "فضفاض"، يجعل من المتعذر انتقاد إيران بسبب أنشطتها غير النووية. وهنا نقطة مهمة تتعلق بالبرنامج الباليستي الإيراني الذي تعتبره واشنطن إحدى أهم ثغرات الاتفاق النووي، لأن هذا البرنامج يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة كلها. وأخيرا، تأتي نقطة النشاط الإيراني في الشرق الأوسط، وهو يرتكز على إنتاج الإرهاب وممارسته والتدخل في شؤون بلدان أخرى، بل احتلال مناطق في بعض البلدان، بما في ذلك -بالطبع- مساعدة سفاح سورية على ارتكاب الفظائع بحق شعبه.
أوروبا تقف حائرة أمام هذه الشروط، والنقاط الأمريكية، خصوصا الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يتغنى في كل مناسبة بأهمية الاتفاق النووي، إلى درجة أنه وضع خطة استراتيجية للدفاع عنه، وعبر عن التزامه به لأركان النظام في طهران. ورغم أهمية هذه الشروط بالنسبة لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بعد المصائب التي تمر بها هذه المنطقة، إلا أن الأوروبيين يتكالبون على الاتفاق تماما مثل تكالب شركاتهم على أموال طهران. وهذا ما فسر، في الواقع، إخفاق الاتحاد الأوروبي أخيرا في الاتفاق على فرض عقوبات جديدة على إيران، والتزم بما هو قائم منها. لكن هذا لم يمنع فرنسا وبريطانيا وألمانيا من تقديم اقتراح بفرض عقوبات على فصائل مسلحة وقيادات عسكريين إيرانيين، تقاتل نيابة عن بشار الأسد.
إنها محاولة أوروبية ماكرة لإرضاء الرئيس الأمريكي قبل حلول 12 من أيار (مايو) المقبل، وهو الموعد النهائي للاتفاق الأوروبي ـــ الأمريكي حول مستقبل النووي الإيراني. لكن الأمر لا يمضي هكذا على الساحة السياسية الأمريكية. فهناك مؤشرات واضحة على أن ترمب مستعد للانسحاب نهائيا من الاتفاق النووي وتركه للحلفاء. مسؤولون في إدارته قالوها علنا، يمكن الانسحاب من الاتفاق إذا لم يمض الأوروبيون قدما في إصلاحه، وسد الثغرات الخطيرة فيه. وهذا الاتفاق -كما هو معروف- أنتج بضغوط كبيرة من إدارة باراك أوباما، الذي أراد أن ينهي حياته السياسية بإنجاز تاريخي، بصرف النظر عن أهمية هذا الإنجاز من عدمه. فعل هذا مع كوبا "بحثا عن نصر"، وبقي واحد من أشد الأنظمة السياسية قسوة على مستوى العالم في السلطة.
يبدو أن المساحة التي ترغب أوروبا أن تلعب بهذا المجال فيها ليست واسعة، بل إنها تضيق كلما اقترب الموعد المشار إليه. كما أن دونالد ترمب ليس من أولئك السياسيين الذين يتمتعون بالنفس الطويل، خصوصا في ظل قناعاته بأن الاتفاق النووي من أسوأ ما وقعت عليه الولايات المتحدة في تاريخها الحديث، وفي سياق إيمانه العميق بالشر الذي ينتجه النظام الإيراني هنا وهناك، والمصائب التي قد يتسبب فيها لاحقا. على الأوروبيين أن يحددوا مواقف واضحة، ويتركوا مسألة "الغنائم" الاقتصادية جانبا، ولو قليلا. وهم أيضا لا يملكون أي نفوذ ولا حتى صداقة قوية مع الإدارة الأمريكية تمكنهم من توسيع دائرة الحوار والمناقشات حول الاتفاق النووي.
ما تريده واشنطن ليس أقل من لجم النظام الإرهابي في إيران، ومنع شروره الحالية والمحتملة لاحقا. وهي تعلم "كما العالم"، أنه لا يمكن منح النظام المذكور أي فرصة. علي خامنئي مستعد لإلقاء قنبلة نووية لأتفه الأسباب إذا ما امتلكها فعلا، وهو يتحرك ضمن استراتيجية الخراب التي أثبتت أنها الأداة الوحيدة لبقاء نظام يصر كل يوم على أن يكون عدوا للإنسانية، سواء على ساحته الداخلية أو خارجها.

إنشرها