Author

نحو الاستثمار وتطوير الموارد

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

ارتفاع أسعار النفط نعمة من جهة، وفتنة من جهة أخرى.

كيف يكون فتنة؟
استخدم في أدبيات اقتصاد الموارد والتنمية مصطلح resource curse التي ترجمها بعضهم إلى "بلاء الموارد". وتصف لضعف في إنفاق الأموال التي حصلت من تصدير مواردها الطبيعية الكبيرة.
لأن من الأهمية القصوى أن تركز الأموال على الاستثمار وتطوير الموارد البشرية، وتوسيع السعة الإنتاجية المحلية، وليس الاستهلاك، فكيف إذا كان معتمدا على الاستيراد؟! ومع سير عمليات التنمية ومع اكتساب الشعب مزيدا من المهارات، فإنه يفترض أن توظف هذه المهارات لسد عجز الموارد مستقبلا.
لكن البيانات الإحصائية والشواهد المرئية في ماضي بعض الدول النفطية، دلت على أن الاستفادة من الموارد كانت أقل مما يفترض. وترجع جذور المشكلة إلى أن الأموال التي تجلبها الموارد تصنع تشوهات، تختصر في تشويه العلاقة أو الدالة الإنتاجية "بلغة مبسطة يمكن أن نفسرها بأنها تناسب رأس المال مع العمل"، وفي صنع مجتمع يعيش أفراده على دخل ريعي. وهذه الحالة تصنع آثارا جانبية، كانخفاض قيمة العمل والجدية وانتشار الفساد الوظيفي.
الارتفاع الكبير في دخل صادرات الموارد النفطية يغري بطلب زيادة الرواتب والدخول والإعانات والمساعدات. والطلب لم يأت نتيجة إنتاجية زادت، بل لشعور برواج وثراء، وهو ثراء وقتي غير راسخ، ولكن أكثر الناس يتناسون.
حين ترتفع الدخول، فإنها توجه إلى رفع المستويات الاستهلاكية، لا الإنتاجية. وهذا يصنع حالة ما يسمى فائض الطلب، أي أن الطلب تجاوز حدود القدرات الإنتاجية في الاقتصاد. وتنشأ من فائض الطلب زيادة الأسعار النسبية للعقارات والخدمات ـــ أو ما يسمى السلع غير القابلة للتداول في التجارة الدولية ـــ مقارنة بأسعار السلع القابلة لأن تستورد، وهذا يرفع عادة أسعار الصرف الحقيقية. وزيادة الأسعار النسبية للخدمات، يصحبه عادة ارتفاع معدلات الربح فيها، وهذا عامل رئيس في دفع المستثمرين إلى الزهد في الاستثمار في إنتاج السلع التي يمكن استيرادها. من زاوية أخرى، يحدث ارتفاع أسعار الخدمات زيادة طلب على بعض السلع، لكن بعد أن تكون حصة الاستثمار في الخدمات من إجمالي الاستثمارات قد زادت، وهذا يدفع إلى زيادة الاستيراد أكثر من زيادة التصنيع لتلبية تزايد الطلب على السلع.
لماذا ترتفع أسعار الخدمات ـــ أو بعبارة أعم أسعار ما يصعب استيراده ـــ مقارنة بأسعار السلع السهل استيرادها؟ لأن أسعار هذه السلع الأخيرة مقيدة بالأسعار العالمية، ومن ثم فعنصر المنافسة فيها أقوى من عنصر المنافسة في غير المستوردات على المدى الطويل خاصة.
ولكن، كما أسلفت، الرواج وقتي بطبيعته. ويصبح لزاما على الحكومات اللجوء إلى نوع من التقشف. ولكنه من الصعب حمل الناس على خفض أو القبول بخفض دخولهم.
الحل الأكثر سهولة في الماضي انصب على خفض الإنفاق غير الاستهلاكي، بإلغاء و/أو تقليص مخصصات الصيانة ومشروعات البنية والمرافق العامة، مثل المساكن والمستشفيات والمدارس والطرق والمياه وغيرها، وتبعا لذلك يبتلع الإنفاق الجاري الاستهلاكي معظم موارد الميزانية. لكن تزايد السكان وتقدم عمر المرافق والمنشآت القائمة يقف بالمرصاد.
قيض الله لهذه البلاد رؤية وقيادة عدلت المسار. ونرجو أن تكلل بأعلى درجات النجاح.

إنشرها