Author

نقاش واقعي للسوق النفطية في اجتماع جدة

|

بعد أن سجلت المخزونات الأمريكية انخفاضات قياسية، وسجلت الأسعار تبعا لذلك ارتفاعات تعد مناسبة في نظر كثير من المراقبين، يجتاح العالم اليوم نقاش واسع حول السوق النفطية، ويبقى السؤال القديم حاضرا عن مستوى الأسعار المقبولة للطرفين المنتجين والمستهلكين، أو لنقل مستوى العرض المطلوب لمقابلة مستويات الطلب الحقيقية، فبينما يقول وزير الطاقة السعودي، إنه رغم أن مخزونات النفط العالمية انخفضت عن مستوى ذروتها، لكنها لم تتراجع بما يكفي، فبينما كانت عند مستويات 3.12 مليار برميل فقد انخفضت حتى مستوى 2.8 مليار برميل، ويرى الوزير السعودي أنها لم تزل فوق مستواها المطلوب من وجهة نظر المنتجين الرئيسيين.
في المقابل نجد أن وزير الطاقة الروسي يرى التخفيض مهما في الوقت الحالي، لكنه يعتقد أن الاستمرار فيه يحتاج إلى إعادة النظر، وأن على "أوبك" ومنتجي النفط من خارجها، تقليص تخفيضات إنتاج النفط قبل نهاية العام. ويمكن النظر إلى رأي "أوبك" في عبارات وزير الطاقة السعودي من حيث إن على المنتجين التحلي بالصبر، وعدم التسرع فالمهمة لم تنجز بعد. في الاتجاه المعاكس تماما جاءت تغريدة مهمة للرئيس الأمريكي بأن أسعار النفط الحالية مبالغ فيها وقال إنها مصطنعة. وهنا يظهر أن الأسعار الحالية لا تعكس العرض والطلب الحقيقيين، وأن المنتجين يقودون الأسعار من خلال الاتفاقيات بشأن الإنتاج. وقد جاء رد الوزير الروسي بأن الأسعار ليست كذلك.
في هذا الظروف المعقدة فعلا، والضبابية التي تلف المواقف الدولية تجاه السوق النفطية استضافت مدينة جدة اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج الذي عقد يوم الجمعة، وقبل اجتماع "أوبك" الذي من المقرر أن ينعقد في العاصمة النمساوية فيينا في شهر حزيران (يونيو) المقبل. ولكن من المؤكد أن السوق قد لا تنتظر حتى ذلك الحين، وقد تصبح الأسعار خارج سيطرة قاعدة العرض والطلب تماما.
لقد بذلت المملكة جهودا جبارة من أجل إصلاح السوق النفطية، وأن تتم معالجة التضخم في الإنتاج، وتحملت المملكة وحدها عبء المصداقية، حيث كان الالتزام بالحصص تحديا كبيرا جدا، ولكن تحقق فعلا. لكن المحافظة على الاتفاق تبدو اليوم أصعب من ذي قبل، فالمستوى المطلوب من الأسعار غير متفق عليه وهنا تبدو أصعب المهام في الأيام القادمة.
لقد كان الاتفاق سهلا جدا في السابق بشأن أن السوق تعاني التضخم في المعروض، فلقد كان التراجع في الأسعار مخيفا ومؤثرا تماما، ولهذا كانت المشكلة تكمن في الثقة أكثر منها في الإقناع، واستطاعت المملكة أن تقود مسألة الثقة وتحملت وحدها عبئا كبيرا، لكن اليوم تبدو المسألة أبعد من كونها ثقة، بل هي اتفاق أساسي حول كيفية المعروض وأن التوازن قد تحقق. عندما يتحدث وزير الطاقة السعودي بأن على الجميع التريث وعدم الاستعجال، فإن مثل هذه الطرح يجب أن يؤخذ على محمل الجد، ذلك أن المملكة هي أكثر من تحمل في سبيل تحقيق هذه النتائج الجيدة، وهي أكثر الدول رغبة في تحقيق ثمرة ما صبرت من أجله، وعندما تطلب التريث فهي ترى في الأفق ما قد يؤثر في كل النتائج التي تم تحقيقها. ورغم قوة الموقف السعودي لكن التصريحات من خارج "أوبك" ليست مشجعة على الاستمرار في التخفيضات. ونأمل من "أوبك" أن تستطيع الثبات على الموقف حتى يمكن العودة إلى مستويات آمنة للمعروض من النفط.

إنشرها