FINANCIAL TIMES

زلزال الذكاء الصناعي يرعب العمالة في القطاع المصرفي

زلزال الذكاء الصناعي يرعب العمالة في القطاع المصرفي

طرح جون كريان، الرئيس التنفيذي لـ"دويتشه بنك" ذات مرة، فكرة استبدال الروبوت بنصف موظفيه البالغ عددهم 98 ألفا.
القرار العجيب الذي اتخذه المصرف العملاق في نهاية الأسبوع الماضي بفصل كريان يعني أنه لن يطلب منه الوفاء بهذا الوعد، إلا أن المستثمرين لا يحتاجون إلى البحث طويلا عن مصرفيين آخرين يتحدثون عن إمكانات الذكاء الاصطناعي، من أجل إحداث ثورة في صناعة تعاني مشاكل في الربحية، في العقد الذي انقضى منذ الأزمة المالية.
رئيس "سيتي جروب" السابق فيكرام بانديت - ولد من جديد كمبشر في مجال التكنولوجيا المالية - تنبأ بأن الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على 30 في المائة من الوظائف المصرفية في غضون خمس سنوات.
وتقول مجموعة ميزوهو المالية في اليابان إنها ستستخدم الذكاء الاصطناعي ليحل محل 19 ألف شخص، أي نحو ثلث قوتها العاملة، بحلول عام 2027.
نشرت كل شركة استشارية كبيرة أبحاثا حول الكيفية التي سيعمل بها الذكاء الاصطناعي على تغيير طبيعة الأعمال المصرفية.
شركة KPMG قطعت شوطا أبعد قليلا من خلال رؤيتها لبنك "غير مرئي" يحل فيه "مساعدون افتراضيون مستنيرون" مكان البشر في جميع نقاط التعامل مع العملاء.
قدم بنك سانتاندر روبوتات حمراء لتأخذ الضيوف في جولة في أنحاء مركز الزوار الإسباني في عام 2010.
ويوجد لدى UBS مساعد أليكسا الرقمي من شركة أمازون في خدمة العملاء، ويستخدم بنك جيه بي مورجان الروبوتات (من النوع غير المرئي) لتنفيذ التداولات، ولدى بنك مورجان ستانلي فريق لكشف الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي.
هذا الأسبوع، قال بنك إتش إس بي سي إنه سوف يحذو حذو المصارف الأخرى من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، للكشف عن غسيل الأموال والاحتيال وتمويل الإرهاب.
يقول خيروين فان أويرل، وهو مستثمر يدير واحدا من أوائل الصناديق التي تركز على التكنولوجيا المالية في أوروبا لشركة "روبيكو" ومقرها في هولندا: "على المدى الطويل، أعتقد أن مستوى الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، سيكون هو الحد الفاصل بين الفائزين والخاسرين".

"من أجل أن يبقى لك دور مهم في المستقبل، أنت تحتاج إلى أعمال إدارية ذات كفاءة ... علاوة على ذلك، يجب أن تكون قادرا على تصميم المنتجات لتناسب متطلبات معينة ... إن لم يكن بإمكانك تقديم هذا النوع من الخدمات في المستقبل، سيوفرها منافس آخر وستخسر".
هذه هي الضجة والمبالغة المحيطة بالموضوع. الواقع أكثر تعقيدا. استطلاع أجرته "فاينانشيال تايمز" عن استخدام 30 مصرفا رائدا للذكاء الاصطناعي، كشف أن الصناعة متحمسة بشأن آفاق التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد في خفض التكاليف وزيادة العوائد. هناك مصرف توقع إمكانية استبدال 50-70 في المائة من الوظائف.
ومع ذلك، ليس هناك إجماعا على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال المصرفية، بل إن كثيرا من الجهود الحالية لتطبيق التعلم الآلي متواضعة. بدلا من السباق نحو مستقبل يدعمه الذكاء الاصطناعي، فإن الصناعة تتحسس طريقها إلى الأمام.
تقول فوتيني أغرافيوتي، رئيسة "بورياليس" ذراع "رويال بانك أوف كندا" المختصة بأبحاث الذكاء الاصطناعي: "هناك عدد كبير فوق الحد من الأشخاص الذين يدلون بهذه التصريحات (حول الأثر الكبير المترتب على التكلفة والوظائف)".
وتضيف: "المشاكل التي عملنا على حلها محدودة للغاية. هناك تصور خاطئ في الأذهان هو أن البشر والآلات قادرون على الأداء بالمستوى نفسه. لا يزال هناك طريق طويل أمامنا والكثير من التحديات التي نحتاج إلى حلها قبل أن تتمكن أي آلة من العمل (على مستوى) يكون قريبا من العقل البشري".
البروفيسور باتريك هنري ونستون، الذي كان مديرا لمختبر معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا بين عامي 1972 و1997 هو الآن أستاذ كرسي فورد في المعهد، يشارك أغرافيوتي مخاوفها حول محدودية مستوى الذكاء الاصطناعي.
ويقول: "الكثير مما تحتاج إليه لاستبدال الناس الذين يتمتعون بالقدرة على التفكير ليس في متناول ما يسمى اليوم بأنظمة الذكاء الاصطناعي، التي يغلب عليها في الواقع الإدراك الحسي أكثر من القدرة المعرفية.
متى ستتمتع بالقدرة المعرفية؟ هذا سيحدث في النهاية، لكن قدرتي على التنبؤ ضعيفة بشأن توقيت ذلك. قلة من العاملين في الذكاء الاصطناعي اليوم يعملون في الواقع على الجانب المعرفي".
تتفق المصارف جميعا على أن الذكاء الاصطناعي مهم، ولكن استراتيجياتها لاستخدامه تتفاوت بشكل كبير.
مصرف أوروبي شارك في الاستطلاع أخبر "فاينانشيال تايمز" أن لديه 500 - 800 شخص يعملون في الذكاء الاصطناعي. بنك نورديا، من السويد، الذي يعتقد عموما أنه أحد المصارف الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية في العالم، يقول إن لديه 25 شخصا فحسب، يعملون على هذه التكنولوجيا.
وتراوح ميزانيات الذكاء الاصطناعي بين أقل من ثلاثة ملايين دولار إلى 15 مليون دولار ضمن عدد قليل من المصارف الثلاثين الكبيرة التي استطلعتها "فاينانشيال تايمز"، التي كانت على استعداد للكشف عن البيانات. ويقول مصرف إنه يكثف الإنفاق على الذكاء الصناعي، من أقل من ثلاثة ملايين دولار في السنة إلى أكثر من 50 مليون دولار.
بشكل عام، في حين أن المصارف تجرب الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب أعمالها، إلا أنها ليست متفائلة كما يمكن أن يفهم من التصريحات العامة.
ومن بين المصارف السبعة الكبرى التي كانت على استعداد لتقدير وفورات التكلفة طويلة الأجل نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي، قالت ستة منها إنها ستخفض التكاليف بأقل من 20 في المائة، في حين كانت مصارف أخرى أكثر تفاؤلا.
يقول زور غوريلوف، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة كاسيستو، التي تبيع منصة الذكاء الاصطناعي KAI إلى المصارف، بما في ذلك "دي بي إس" في سنغافورة و"ستاندرد تشارترد" وعشرة مصارف أخرى: "هناك الكثير من المبالغة (غير الواقعية) بشأن الذكاء الاصطناعي في الصناعة المصرفية والتنفيذيون في المصارف، يشعرون بالبلبلة حول الموضوع، وهو أمر ليس بالمستغرب".
"نحاول أن نكون واقعيين للغاية ونضع توقعات المصارف على أساس قدرات النظام. أحد الأشياء التي نفعلها على الفور هو أنن نقول ’يجب أن يكون لنظام العمل لدينا اتصال سياقي بشخص ما‘ ... لأنه لا أحد يستطيع أن يحيل ذلك، وربما لن يكون بمقدورهم في المستقبل المنظور تسليم 100 في المائة من عملياتهم إلى الذكاء الاصطناعي".
التوقعات غير الواقعية ليست هي العقبة الوحيدة التي تواجهها المصارف، في الوقت الذي تتعمق فيه داخل عالم الذكاء الاصطناعي الذي يعد بأمور كثيرة للغاية.
يقول كثير من الخبراء إن هناك خطرا يتمثل في تدفق استثمارات كبيرة فوق الحد إلى مناطق "مثيرة" مثل روبوتات الدردشة على حساب الاستثمار في العمليات التي لا تقع عليها أعين الجمهور، حيث يمكن للمصارف تحقيق مكاسب أكثر أهمية.
لذلك، مقابل كل هذه الضجة، أين تركز المصارف أنظارها على الذكاء الاصطناعي؟ تعتمد الإجابة جزئيا على نظرة البنوك إلى الذكاء الاصطناعي. المصارف التي شاركت في بحث "فاينانشيال تايمز" أعطت تعريفات ضيقة تراوح بين كونها برامج تؤدي الوظائف الأساسية التي تشتمل على المحاكمة المنطقية، وبين التعلم والتصحيح الذاتي دون أن تجري برمجتها بشكل صريح مثل "رويال بانك أوف كندا"، إلى رؤية للذكاء الاصطناعي تشتمل جميع أعمال الأتمتة في بنك نومورا. كان أحد التعريفات بطول 130 كلمة. وآخر تضمن رسوما بيانية.
يقول شاميك كوندو، كبير إداريي البيانات في "ستاندرد تشارترد"، إن نحو 20 في المائة فقط من المشاريع الـ 14 للذكاء الاصطناعي والبرامج التجريبية التي نظر المصرف فيها عام 2017، كانت تركز على "التكلفة البحتة أو الإنتاجية".
ويضيف: "معظمها يتعلق بتحسين شهيتنا نحو المخاطرة، والحد من المخاطر، ولكن أيضا زيادة قدرتنا على الدخول في المخاطر".
تعريف الذكاء الاصطناعي من وجهة نظر بنك ستاندرد تشارترد هو "رؤية ومجموعة من التكنولوجيات والأساليب التي تتيح للآلات أداء الأشياء، التي تتطلب ذكاء عند القيام بها من قبل البشر".
إدارة المخاطر موضوع ثابت يظهر ضمن المصارف. هنا العلم هو إلى جانبهم، كما هي الحال بالنسبة لمهام روتينية أخرى حيث يمكن للتدخل البشري أن يكون عائقا بدلا من كونه عونا.
يقول باسكال بوفييه، شريك في رأس المال المغامر لدى "سانتاندر إنوفنتشرز"، صندوق رأس المال المغامر المختص بالتكنولوجيا المالية لدى البنك الإسباني، الذي يستثمر في المرحلة المبكرة من شركات التكنولوجيا المالية بما في ذلك الشركات التي تركز على الذكاء الاصطناعي: "بالنسبة للمهام المتكررة التي لا تنطوي على تغييرات (في المكاتب المختصة بإدارة المخاطر وحساب الأرباح والخسائر، وفي مكاتب الأعمال الإدارية) في عمليات المقاصة / والتسوية / والعمليات التشغيلية التي لا تكون بحاجة خاصة إلى الذكاء، فإن أساليب الذكاء الاصطناعي تكون رائعة".
ويضيف بوفييه قائلا: "هي ذات طابع حتمي، ولا توجد في الواقع حاجة إلى الإفراط في الخوارزميات المستخدمة في تداولات الصندوق الأسود (برامج الكمبيوتر التي تبيع وتشتري قسما كبيرا من الاستثمارات السائلة في العالم، دون تدخل من الإنسان)، ولا توجد حاجة كبيرة إلى بلوغ عتبة قانونية / تنظيمية معينة.
هذه تقع ضمن فئة الاستخدام الأمثل للموارد، والأتمتة، والأتمتة الذكية، وأتمتة معالجة الروبوت. وهي رائعة للمصارف من حيث خفض التكاليف".
إضافة إلى تطبيقات إدارة المخاطر، فإن استخدام بنك جيه بي مروجان للذكاء الاصطناعي لتنفيذ الصفقات بشكل أكثر كفاءة يمكن أن يقع في هذه الفئة، وينطبق ذلك أيضا على التعلم الآلي الذي طوره "سيتي" للتعامل مع طلبات التسعير المرسلة إلى المتداولين.
تقول ماريكا لولي، الرئيسة التنفيذية لشركة "جي إف تي تكنولوجيز"، الشركة الألمانية الاستشارية المختصة بالتكنولوجيا المالية، إن هناك "اختلافا واضحا" بين "المصارف التي تركز على فهم أن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تعطيها نماذج أعمال جديدة، وطرقا جديدة لتوليد الأموال (في حين) أن مصارف أخرى تعتبر خفض التكلفة أول هدف لها".
المصارف حساسة بشأن إثارة الخوف لدى الموظفين والنقابات بشأن خفض الوظائف، وتتحدث بدلا من ذلك عن تحرير العمال للقيام بأعمال أكثر إثارة للاهتمام.
ومع تطور النقاش حول الذكاء الاصطناعي، غيرت المصارف رسائلها بحيث تشغل إمكانات الذكاء الاصطناعي من حيث نمو الإيرادات على الأقل دورا بارزا مثل قدرته على تخفيض التكاليف.
تقول مجموعة ING المصرفية الهولندية: "نود أن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم حلول أكثر ذكاء لعملائنا، وأن نكون أكثر فاعلية في عمليات صنع القرار لدينا. من هذا الباب، بدلا من ’إحلال الذكاء الاصطناعي محل القوى العاملة‘، نحن نؤمن بقوة ’القوة العاملة التي يحركها الذكاء الاصطناعي‘".
في قسم بورياليس التابع لرويال بانك أوف كندا، تقول أغرافيوتي إن فريقها "يعطي الأولوية للأشياء من النوع الذي لدينا أدلة أنه يمكننا حلها". وهذا يشتمل على "تحليل الأخبار وتحديد كيفية تأثير الأحداث العالمية على الأسواق الأمريكية".
وتضيف أن النتيجة ستكون "احتمال توليد العوائد وأيضا توفير التكاليف، هذه هي أنواع الأدوات التي سوف يستفيد منها العاملون لدينا من باحثين، ومستشارين، ومستشارين ماليين، والأشخاص الذين يقومون بالبحث، من أجل الفهم".
بالنسبة للبعض، اختيار المجالات الصحيحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي هو المشكلة الأكثر صعوبة. يقول ليندسي أرغالاس، كبير الإداريين الرقميين والابتكاريين في بنك سانتناندر: "من السهل الوقوع في الفخ الذي يقول ’دعونا نستخدم الذكاء الاصطناعي بحد ذاته لأنه مفيد. قد تبدو بعض الأفكار المبنية على الذكاء الاصطناعي ’براقة للغاية‘، ولكن في الواقع لا توجد سوى تحسينات هامشية على قدرات معالجة البيانات الحالية".
في بنك إيه بي إن أمرو، يدافع المصرف الهولندي عن قراره استخدام شبكة ذكاء اصطناعي على نطاق واسع حقا، لتشمل مساعد رقمي للعملاء وأدوات للكشف عن عمليات الاحتيال وإدارة تحليل المخاطر.
يقول المصرف: "من أجل اكتشاف أين تكمن القيمة الأكبر، فإننا منخرطون بشكل نشط في التجريب. وهذا لا ينطبق فقط على الخدمات القائمة، ولكن أيضا على الفرص الجديدة. نحن نحقق في كيفية تسهيل العمل على موظفينا، وكيفية تمكين العملاء من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي".
وفي الوقت الذي تسحب فيه مشاريع الذكاء الاصطناعي المصارف نحو كثير من الاتجاهات المختلفة، فإن تقييم النجاح والقيادة هو مهمة تثبط العزيمة بالنسبة للغرباء.
يقول فان أويرل من شركة روبيكو: "من المهم جدا فصل القصة التسويقية عن قصة التنفيذ، وغالبا ما يكون هناك فرق كبير بين الاثنتين. إذا نظرت بشكل أعمق إلى الجوهر، فيمكنك اتخاذ قرار جيد حول ما إذا كان تسويقه حقيقيا".
يبحث فان أويرل عن دليل على تحسن نسب التكلفة / الدخل وبيع منتجات مختلفة إلى الزبون نفسه. ويقول: "إذا كنت لا تراها، وتقول المصارف إنها تفعل كل هذه الأشياء في الذكاء الاصطناعي، فعليك أن تسأل نفسك عما إذا كان هذا الأمر غير أساسي بالفعل أم لا".
وقال إن الأمر سوف يستغرق من المصارف وقتا أطول لرؤية النتائج بشأن برامج الذكاء الاصطناعي على الأعمال الإدارية، في حين كان يرى البعض منذ فترة التأثير على جانب التعامل مع الزبائن.
ويقول: "تحدثنا إلى عدد من المصارف التي يمكن أن تظهر بوضوح أنه بعد تنفيذ هذه التكنولوجيات، استطاعت بيع منتجات إضافية إلى زبائنها الحاليين بشكل أكير بكثير من قبل، وتظهر أنهم أفضل من حيث التواصل مع عملائهم".
يقول كوندو من بنك ستاندرد تشارترد إن "من السابق لأوانه" أن يرى الشخص من خارج المصرف نتائج ملموسة تسمح له بأن يقرر ما إذا كان استثمار مصرفه في الذكاء الاصطناعي يؤتي ثماره، خاصة وأن معظم مغامرات الذكاء الاصطناعي كانت تجريبية. ويضيف: "النتائج المبكرة كانت تبشر بالخير. سيكونون قادرين على رؤية التأثير".
بالنسبة لمن هم خارج المصرف، لا تشير العلامات السطحية إلى أن الذكاء الاصطناعي على وشك الاستحواذ على هذه الصناعة.
لاحظ أنه قبل ثماني سنوات، بدأت هذه الروبوتات أخذ الضيوف في جولة في أنحاء مدينة سانتاندر، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن روبوت واحد يمكن العثور عليه في أي فرع من فروع بنك سانتاندر البالغ عددها 13697 فرعا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES