Author

الإعلام .. والتعامل مع مواقع التدوين والتواصل

|
أستاذ جامعي ـ السويد

أستهل مقال هذا الأسبوع بتقديم مختصر عن الطرائق التي تجمع فيها وسائل الإعلام المعلومات عن الأحداث التي تقوم بتغطيتها، ومن ثم أعرج على مواقع التدوين المصغرة ومواقع التواصل ودورها في نقل الأحدث والمعلومات وتأثيرها في الصحافة كمهنة.
هناك طرائق عديدة تستند إليها وسائل الإعلام لجمع المعلومات. وكان أساتذة الصحافة قبل بزوغ فجر الثورة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يتحدثون عن ثلاث طرائق تقليدية للوصول إلى المعلومة وهي، المقابلة، والملاحظة، والمصادر والموسوعات.
وكانت الصحف الرئيسة، وإلى فترة وجيزة قبل دخولنا معترك الثورة الخوارزمية، ترسم خطا عريضا بين المعلومة التي تحصل عليها بطريقة مهنية وبين المعلومة التي تصلها دون بذل أي جهد مهني يذكر.
وكانت المهنية الصفة الغالبة للمعلومات التي تتعامل معها وسائل الإعلام. وهذا كان يعني بذل جهد مهني للوصول إلى المعلومة، من خلال وجود الصحافي أو الإعلامي في موقع الحدث.
كان الصحافي في السابق يركض وراء المعلومة. الصحافي كان يذهب إلى موقع الحدث للحصول على المعلومة، رغم ما كان يعنيه ذلك من مشقة وأحيانا أخطار.
الثورة الخوارزمية غيرت سبل الوصول إلى المعلومة. اليوم، وبفضل مواقع التواصل المجانية، أخذت المعلومة هي التي تركض وراء الصحافي وليس العكس.
واليوم، لا يحتاج الصحافي إلى أي مشقة للوصول إلى زعيم أعظم وأقوى دولة في الدنيا. الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ذاته يهرع كل صباح تقريبا لتوصيل ما لديه من معلومات إلى أي صحافي في العالم.
لقد دشنت تغريدات الرئيس ترمب في موقع التدوين المصغر "تويتر" عهدا جديدا في طرائق جمع المعلومات، ليس فقط في الصحافة، بل في الأساليب المعتمدة في الكتابة لوسائل الإعلام.
بغض الطرف عن موقفنا من سياسات الرئيس ترمب وتدويناته المصغرة، لقد صرنا اليوم أمام ظاهرة جديدة في الوصول إلى المعلومة، وكذلك صارت لدينا أطر خطابية صحافية جديدة لم تكن مألوفة في السابق، والفضل يعود للرئيس الأمريكي الحالي.
وينهمك علماء وأساتذة الصحافة والإعلام اليوم في إصدار كتب وأبحاث ـــ وهي للتو بالعشرات ـــ عن الظاهرة الترمبية في الصحافة. وواحد من أطرها الخطابية الأساسية يستند إلى التغيير الجذري في الحصول على المعلومة.
وفي آخر زيارة لي إلى لندن للقاء بعض الزملاء السابقين من وكالة رويترز، تحدث الزملاء بإسهاب عن هذه الظاهرة الجديدة في عالم الصحافة والإعلام. ونوه الزملاء إلى أن وكالة رويترز اليوم لا تبذل مشقة كبيرة في الحصول على المعلومة، لأن مواقع التدوين المصغرة تجلب المعلومة إلى مناضدهم ومكاتبهم في لندن.
وهناك اليوم صحافيون كثيرون في "رويترز" مهمتهم الحصول على المعلومات من مواقع التدوين المصغرة، مثل "تويتر"، التي اختصرت عليهم الطريق وخففت عليهم مشقة الوصول.
أغلب الساسة والمتنفذين في عالم اليوم يغردون باستمرار على مواقع التدوين المصغرة. وكل تدوينة من مسؤول أو صاحب نفوذ تعد معلومة تستحق التغطية الصحافية.
كل كلمة ترد من الرئيس الأمريكي في "تويتر" تتحول إلى خبر صحافي، وهذا ينطبق أيضا على أي تدوين من قبل المنظمات المهمة، مثل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ورؤساء الشركات ومحافظي البنوك المركزية الرئيسة ووزراء النفط والخارجية والمال والاقتصاد، وهلم جرا.
لقد قدم ويقدم التدوين المصغر، ومعه وسائل التواصل الاجتماعي، خدمة جليلة للصحافة. وفشل الرهان في إمكانية أن تتحول هذه المواقع إلى أنداد للصحافة الرئيسة في مسعى لإزالتها كأدوات إعلامية ذات تأثير بالغ في حياة الناس.
في وكالة رويترز، مثلا، يرون في مواقع التدوين المصغرة، ولا سيما التدوينات التي يطلقها الساسة وأصحاب المال والمسؤولون في الشركات والمؤسسات التي يتم فيها تداول الأسهم والأوراق المالية، نعمة من السماء، لأنها اختصرت الطريق لجمع المعلومات وقللت من النفقات المتعلقة بعملية جمع المعلومات التي كان الصحافيون سابقا يقومون بها.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا كل هذه الشكوى من مواقع التدوين والتواصل، وأنها السبب في نقل المعلومات المزيفة، أو التي لا يمكن التحقق منها؟
علماء الصحافة والإعلام لهم موقف مختلف. أبحاثهم تشير إلى أن مواقع التدوين هي نعمة ونقمة للصحافة الرئيسة وتداول المعلومات في آن واحد.
هي نعمة عندما تمكننا من التواصل مباشرة مع رئيس أقوى دولة في العالم، من خلال تغريداته الصباحية تقريبا كل يوم. تدوينات مثل هذه، تعد معلومات موثقة ولا تحتاج إلى أي جهد من قبل الصحافي للتحقق من مصداقيتها.
هي نقمة عندما تصبح واسطة لنقل المعلومات المزيفة، أو معلومات لا يمكن التحقق منها، رغم أهميتها وانتشارها الواسع وتأثيرها إلى درجة يصبح لزاما على الإعلام الرئيس تحويلها إلى مادة صحافية.
ولكن، كيف نحول المعلومة غير الموثقة، أو التي ليس بإمكاننا التحقق منها، إلى مادة صحافية؟ وكيف نجعل المتلقي على بينة من أن المعلومة التي جرى تحويلها إلى مادة صحافية لا يمكن الوثوق بها، رغم أهميتها وتأثيرها وانتشارها؟
وهذا ربما يعد أهم سؤال يجب على الإعلام الرئيس التعامل معه والإجابة عنه.

إنشرها