Author

العرب والمسرح العالمي

|

المسرح العالمي تحتضنه الولايات المتحدة، وتحديدا مدينة نيويورك، وعنوانه الدقيق هيئة الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن، يجلس على خشبة المسرح خمسة ممثلين رئيسين، ويجلس معهم عشرة ممثلين ثانويين، أو بكلمة أخرى لا قيمة لهم. من مهام المسرح العالمي المدونة في نظامه فض النزاعات الدولية، وحماية الأمن والسلم الدوليين، إلا أن العروض المسرحية التي تقدم ويشهدها العالم بأسره خطابات شديدة اللهجة، وتبادل اتهامات بين الممثلين الرئيسين، وخلافات ظاهرة تجعل الجمهور يتفاعل معها، وقد يصفق لطرف دون آخر، بناء على قوة البيان، ودون علم بالحقيقة المتفق عليها وراء الكواليس، كما أن تبادل الأدوار بين الممثلين أمر شائع لجعل المسرحية أكثر إثارة وجذبا للمشاهدين، ولا مانع من تبادل القبلات بين أطراف الصراع أمام الجمهور، كما حدث بين ممثلة أمريكا هيلي وممثل روسيا قبل مناقشة استخدام بشار السلاح الكيماوي في دوما.
إخراج المسرحية يأخذ أشكالا عدة، منها تقديم عضو من فريق الممثلين الرئيسين مشروع قرار يتم تفخيخه بمصطلحات تكون مجالا لمساومات، وتعديلات تنتهي ببيان رئاسي ليست له قيمة في معالجة الموضوع المطروح، أو قرار باهت تنقصه الآلية لتنفيذه، كما تكرر في القرارات الخاصة باستخدام الكيماوي أو بمناطق خفض التوتر، التي لم يتم تنفيذ أي منها. كما أن من المشاهد المتفق عليها تقديم مشاريع عدة في الوقت نفسه تستعرض فيها العضلات الفمية، والبلاغة اللغوية، والاحتجاج بالقرارات السابقة، ونظام هيئة الأمم، ومجلس الأمن، لينتهي الأمر عند إجهاض كل طرف لمشروع قرار الطرف الطرف الآخر بالفيتو.
في كل مسرحية موضوع صراع يأخذ لب المشاهدين، ويشد انتباههم، ويسيطر على مشاعرهم، لما له من أهمية في حياتهم، وأمنهم، ومستقبلهم، ومستقبل أجيالهم، لكن ممثلي المسرح الرئيسين لا يناقشون الموضوع لحل القضية، بل يناقشونه في إطار مصالحهم الخاصة، ومناطق نفوذهم الواجب توسيعها، والمحافظة عليها، مكاسب الممثلين الأساسيين هي الأساس والجوهر، وليس أمن واستقرار العالم، أو أي منطقة، كما أن نظام هيئة الأمم، ومجلس الأمن وحقوق الإنسان، وقراراتها تختفي أمام جشع المصالح.
العالم مناطق نفوذ، وكل عضو من أعضاء المسرحية يسعى للمحافظة على ما يعتقد أنه يخصه، إما بناء على علاقة استعمارية سابقة، كما في حالة بريطانيا وفرنسا اللتين قسمتا منطقتنا، حسب اتفاقية سايكس ــ بيكو، وإما مصالح متفق عليها بين أحد ممثلي المسرح العالمي، كما في حالة أمريكا، وروسيا اللتين وقعتا اتفاقيات تبادل مصالح مع دول أخرى.
المسرح العالمي له أذرع قوية خارجه، فالسياسيون والعسكريون المرتبطون بكل طرف يسهمون في الضغط على أطراف الصراع داخل المسرح من خلال تصريحات، أو تحريك قوات من منطقة لأخرى، أو القيام بعمل عسكري، كما تفعل روسيا في سورية قبيل انعقاد مسرحية مجلس الأمن، أو أثناءه، أو بعده، لإظهار القوة والتحدي للطرف الآخر.
الذراع الإعلامية تلعب دورا أساسيا في الترويج للمسرحية من خلال النقل المباشر للجلسات، ونقل التصريحات، واستضافة المحللين من مشارب متعددة، أو من مشرب واحد حسب توجه الوسيلة الإعلامية، والجهة المرتبطة بها، كل هذا ينتهي إلى ما يريده كاتب السيناريو من إلهاب للمشاعر، وإشغال للعقول، وتحفيز للتوقعات، لتكون النتيجة إحباطا للمتطلعين إلى الخلاص من المآسي التي يعيشونها، لأن المسرحية في الأساس، ليس هذا أحد أهدافها، ولعل الضربة الجوية لمواقع في سورية من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وما سبقها، وما حدث من نتائج، وما بعدها يؤكد دقة الإخراج المسرحي، إذ إن تغريدات ترمب، ووصفه بشار بالحيوان، ثم التصريحات المتناقضة بشأن الضربة من قبل مؤسسات اتخاذ القرار، أو من عواصم الدول الثلاث، وكذلك إبلاغ روسيا بالضربة، والوقت الكافي لإخلاء المواقع المستهدفة، التي بلغت به روسيا، ومررته لبشار يؤكد الأدوار المتفق عليها بين الأطراف.
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والرئيس ماكرون، وترمب صرحوا بأن الضربة حققت أهدافها، وهي تقويض وإضعاف نظام السلاح الكيماوي لبشار، وهذا يؤكد أن الهدف ليس حماية المدنيين، فلا مانع من استمرار بشار في قتلهم بالطائرات والقنابل العنقودية، والبراميل المتفجرة، ما يؤكد كذب أبطال مسرحيات المسرح الدولي في حماية الناس، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين. أسئلة كثيرة لا تجد إجابة لها، هل ستتخلى روسيا وإيران عن قتل الناس، وتدمير المدن السورية؟ وهل ستجبران نظام بشار على الحل السلمي؟ وهل سيرتدع بشار وإيران وميليشياتهما عن قتل الشعب السوري؟ هذه الأسئلة وغيرها يؤكد الواقع أنها لن تتحقق لأن فكر، وثقافة، ومنظومة أخلاق الممثلين الدوليين لا علاقة لها بالمفاهيم الإنسانية، حتى إن صدعوا الرؤوس بها.

إنشرها