Author

3 أولويات للاقتصاد العالمي «4»

|

من الضروري تدعيم الاستقرار المالي عن طريق زيادة هوامش الأمان في قطاع الشركات والقطاع المصرفي، خاصة في الأسواق الصاعدة الكبيرة مثل الصين والهند.
ويعني هذا تخفيض دين الشركات وزيادة رأس المال والسيولة في المصارف حيثما دعت الحاجة. ويعني أيضا تنفيذ سياسات تتعامل مع الرواج في أسواق الإسكان، ومنها سوق الإسكان في هونج كونج.
ويوضح التحليل الذي أجراه الصندوق أخيرا أن حركة أسواق الإسكان تزداد تزامنا في المدن الرئيسة على مستوى العالم ـــ ما يمكن أن يوسع نطاق الصدمات الاقتصادية الكلية والمالية الآتية من أي بلد.
ولهذا نحتاج إلى هوامش أمان عالمية أيضا.
ومن أسباب ذلك أن علينا إبقاء نظمنا المالية في مأمن بتجنب التراجع عن الإطار التنظيمي الموضوع منذ الأزمة المالية العالمية لتعزيز الهوامش الوقائية من رأس المال والسيولة.
وينبغي أن يواكب الإطار التنظيمي الدولي سرعة التطور على صعيد التكنولوجيا المالية لاتقاء المخاطر الجديدة من تسخير الإمكانات المتاحة.
والأهم من ذلك أننا ننشد شبكة أمان مالي عالمية قوية. وفي هذا الصدد، يقوم الصندوق بدور محوري في مساعدة البلدان على مواكبة تقلب التدفقات الرأسمالية بصورة أفضل في أوقات العسر.
ولكن من الضروري أيضا أن نشجع نموا أكثر استدامة وأكثر شمولا للجميع على المدى الأطول. وهذه هي أولويتي الثالثة.
3 - تشجيع النمو طويل الأجل الذي يعود بالنفع على الجميع.
وتشجيع النمو الأقوى والأكثر احتواء للجميع هو تحد أساسي.
فإذا عادت الاقتصادات المتقدمة، كما هو متوقع، إلى تحقيق نمو مخيب للآمال على المدى المتوسط، فسيتفاقم عدم المساواة الاقتصادية ويزداد القلق بشأن الديون والاستقطاب السياسي.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع لأكثر من 40 بلدا صاعدا وناميا أن يصبح النمو أبطأ من مثيله في الاقتصادات المتقدمة على أساس نصيب الفرد.
ويعني هذا مزيدا من البطء في تحسين مستويات المعيشة واتساعا في فجوة الدخل بين هذه البلدان والعالم المتقدم.
وكما قلت من قبل، إن الفرصة سانحة. لكن إعطاء دفعة للإنتاجية والنمو الممكن يتطلب من البلدان تكثيف الإصلاحات الاقتصادية وإجراءات السياسة.
وأود أن أتطرق هنا إلى عاملين محتملين لإحداث تغيير جذري:
(1) الأول هو إطلاق إمكانات قطاع الخدمات، خاصة في الاقتصادات النامية.
فكثير من هذه البلدان تغفل مرحلة التصنيع التقليدية وهي تنتقل من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على الخدمات.
ويدعو هذا إلى القلق من إمكانية أن تظل البلدان حبيسة مستويات الإنتاجية المنخفضة فتتضاءل فرصها في اللحاق بمستويات الدخل في الاقتصادات المتقدمة.
غير أن بحثنا الأخير يوضح أن بعض قطاعات الخدمات ـــ وأبرزها النقل والاتصالات وخدمات الأعمال ـــ يمكن أن تحقق مستويات إنتاجية تضاهي التصنيع.
وتلك مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لبلدان مثل الفلبين وكولومبيا وغانا التي تتحول فيها العمالة والناتج من الإنتاج الزراعي إلى الخدمات الأعلى قيمة.
وهي مسألة مهمة أيضا لتحقيق الرفاهية الاقتصادية لملايين النساء اللاتي غالبا ما يمثلن أغلبية العاملين في صناعة الخدمات... يتبع.
وليس إطلاق هذه الإمكانات بالمهمة السهلة. فهو يتطلب مزيدا من الاستثمار العام في التعليم والتدريب والمساعدة في البحث عن فرص عمل، كما يعني فتح قطاعات الخدمات أمام مزيد من المنافسة.
وهناك ما ينبغي القيام به على مستوى العالم أيضا. فنحن بحاجة إلى زيادة التجارة في الخدمات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، عن طريق تخفيض الحواجز في هذا المجال ـــ وهي حواجز لا تزال شديدة الارتفاع.
(2) أما العامل الثاني الذي يمكن أن يحدث تغيرا جوهريا فهو التحول إلى الحكومة الرقمية.
ويمكن للقطاعات العامة أن تقود المسار في تطبيق أحدث التكنولوجيات والأنظمة ـــ ونحن نرى أمثلة رائعة هنا في آسيا:
ـــ ففي الهند، يتلقى المواطنون دعما وإعانات اجتماعية تودع مباشرة في حساباتهم المصرفية التي ترتبط بمحددات متفردة للهوية على أساس المقاييس الحيوية.
ـــ وفي أستراليا، تجمع السلطات الضريبية معلومات الأجور في الوقت الحقيقي، ما يتيح لها رؤية فورية لحالة الاقتصاد.
ـــ وهنا في هونج كونج، سيصبح بإمكان عملاء المصارف قريبا أن يستخدموا أرقام هواتفهم المحمولة وعناوين بريدهم الإلكتروني لتحويل الأموال أو الشراء من متاجر التجزئة، بفضل نظام دفع جديد تموله الحكومة.
هذه المبادرات ما هي إلا البداية، فالحكومات عبر العالم تبحث الآن السبل الممكنة لتحسين الكفاءة.
فعلى سبيل المثال، تقدر دراسة صدرت أخيرا أن قرابة 20 في المائة من الإيرادات العامة على مستوى العالم، أو نحو خمسة تريليونات دولار أمريكي، تفقد كل عام بسبب عدم الامتثال الضريبي والمدفوعات الحكومية التي تتخذ وجهة خاطئة.
وباستخدام الأدوات الجديدة ـــ كتحليل البيانات الكبيرة ـــ يمكن للحكومات تخفيض هذه التسربات، التي غالبا ما ترتبط مباشرة بالفساد والتهرب الضريبي. ومن شأن تخفيض التسربات أن يمكن البلدان من زيادة الإنفاق على البنود ذات الأولوية.
خلاصة القول، إن الحكومة الرقمية يمكن أن تقدم الخدمات العامة بدرجة أكبر من الكفاءة والفعالية، وتساعد على تحسين حياة المواطنين.
فكروا معي في هذا الأمر: إن عدد الأسر التي أصبحت تستخدم التكنولوجيا الرقمية ـــ كالإنترنت والهواتف الذكية ـــ في البلدان النامية تجاوز عدد الأسر التي تحصل على المياه النظيفة والتعليم الثانوي.
إنها إمكانات هائلة للتفاعل الرقمي! لكنها تذكرة أيضا بأننا نحتاج إلى تسخير التكنولوجيا بشكل فعال لتحقيق التقدم نحو تنمية أوسع نطاقا.
خاتمة
وختاما، إن أمام هذا الجيل من صناع السياسات خيار صعب:
فيمكنهم ببساطة استنساخ سياسات الماضي التي حققت نتائج متباينة ـــ حيث رفعت مستويات المعيشة إلى حد كبير، ولكنها تركت كثيرين وراء الركب.
أو يمكنهم رسم مشهد اقتصادي جديد ـــ حيث التجارة المفتوحة أكثر إنصافا وأكثر اعتمادا على التعاون؛ وحيث النظم المالية أكثر أمانا وأكثر دعما للنمو الاقتصادي؛ وحيث منافع الثورة الرقمية ليست حكرا على قلة محظوظة وإنما يتمتع بها الجميع.
وكما قال الفنان العظيم هنري ماتيس: "الإبداع يحتاج إلى شجاعة".
ولا شك أننا نحتاج إلى شجاعة أكبر ـــ في أروقة الحكومة، وفي قاعات المؤتمرات في الشركات، وفي قلوبنا وعقولنا أيضا.

إنشرها