Author

هل نحن مقبلون على أزمة جديدة في الإمدادات؟

|

إحدى وجهات النظر السائدة في الوقت الحاضر هي أن الطلب على النفط في المستقبل من المتوقع أن ينخفض لأن المستهلكين ستكون لديهم خيارات أفضل. يعتقد كثيرون في معسكر "ذروة الطلب" أن التوسع في استخدام السيارات الكهربائية سيقلل الاعتماد على النفط في قطاع النقل. هذه نظرة واقعية نسبيا للمستقبل وتتسق مع كثير من تجاربنا السابقة، حيث يتم استبدال التقنيات القديمة بشكل متكرر بتقنيات أحدث وأفضل وأقل تكلفة.
لكن، ليس من المؤكد أن وجهة النظر هذه بخصوص الطلب على النفط في المستقبل ستتحقق في أي وقت قريب. باختصار، إذا قمنا بعملية حساب صحيحة، يصبح من الواضح أن الأمر سيستغرق سنوات طويلة قبل أن تتمكن السيارات الكهربائية من الحصول على حصة مجزية من الطلب على النفط. وفي الوقت نفسه، بعض الدول والمنظمات تدق ناقوس الخطر أنه بدلا من سيناريو ذروة الطلب، قد نواجه قريبا سيناريو ذروة العرض، أو على الأقل فقدان الطاقات الاحتياطية العالمية. في المرة الأخيرة التي حدث فيها هذا، ارتفعت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل.
منذ أكثر من عام، حذر وزير الطاقة السعودي، في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي، من توقع حدوث نقص في الإمدادات بحلول عام 2020، حيث قال: "أعتقد أنه إذا مستوى تدفق الاستثمارات الذي شهدناه خلال السنتين أو السنوات الثلاث الأخيرة استمر في السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة، فسيكون عندنا نقص في إمدادات النفط الخام بحلول عام 2020. وقد كرر هذا التحذير الأسبوع الماضي في اجتماع وزراء ملتقى الطاقة الدولي الـ IEF16 في العاصمة الهندية نيودلهي.
وفي آذار (مارس) 2017، نشرت وكالة الطاقة الدولية تقريرها عن تحليل السوق والتوقعات بعنوان "النفط 2017". في هذا التقرير، حذرت الوكالة من أن ركود الاستثمار العالمي لعامي 2015 و2016 يشكل بالفعل خطرا على إمدادات النفط في المستقبل وأن الإنفاق العالمي لعام 2017 لا يبدو مشجعا. نعم ترتفع إمدادات النفط في الولايات المتحدة، كندا وعدد قليل من الأماكن الأخرى حول العالم، لكن تقرير وكالة الطاقة الدولية خلص إلى أن هذا النمو يمكن أن يتوقف بحلول عام 2020 إذا لم يرتفع الإنفاق. وأوضح التقرير أنه إذا استمرت اتجاهات الإنفاق الحالية، فستهبط الطاقات الإنتاجية الاحتياطية في عام 2022 إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2008 (عندما وصلت أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل تقريبا). وحول موضوع السيارات الكهربائية، قدرت الوكالة أنها ستزيح فقط كميات صغيرة من وقود النقل بحلول عام 2022. وعلاوة على ذلك، قالت الوكالة إنها لا تتوقع حدوث ذروة في الطلب على النفط في أي وقت قريب.
من جانبها، أكدت شركة هاليبرتون، وهي من كبريات شركات الخدمات النفطية في العالم، توقعات وكالة الطاقة الدولية في مؤتمر البترول العالمي في إسطنبول. وقال نائب الرئيس الأول للشركة إن تخفيضات الإنفاق التي بلغت تريليوني دولار في صناعة النفط العالمية على مدى السنوات القليلة الماضية ستؤثر في أسعار النفط بحلول عام 2020.
كما قدم بنك إتش إس بي سي HSBC تحذيرات مماثلة في تقريره "ذروة النفط لعام 2017". وأشار التقرير إلى أن أسواق النفط حاليا مزودة بشكل كاف بالإمدادات، ولكن طاقات الإنتاج الاحتياطية يمكن أن تتقلص قريبا إلى 1 في المائة فقط من العرض العالمي، ما يهدد بعودة مخاطر انقطاعات الإمدادات والتقلبات إلى أسواق النفط. وأشار بنك إتش إس بي سي إلى أن الطلب على النفط لا يزال ينمو بأكثر من مليون برميل في اليوم كل عام، وأنهم لا يتوقعون سيناريو ذروة الطلب قبل عام 2040. وأشار تقرير البنك كذلك إلى أن الاكتشافات النفطية العالمية آخذة في الانخفاض وأن 81 في المائة من إنتاج النفط العالمي يأتي بالفعل الآن من حقول في حالة تراجع decline.
هناك من يفترض أن "أوبك" لديها طاقات احتياطية كافية لإغراق السوق والحفاظ على أسعار النفط تحت السيطرة. لكن رئيس قسم أبحاث السلع في "سيتي بنك"، حذر من أن "أوبك" قد تنتج الآن عند طاقتها القصوى وأن هناك خطر حدوث أزمة في السوق بسبب قلة الاستثمار من قبل دول "أوبك": "ولا سيما ليبيا، نيجيريا، فنزويلا، إيران والعراق".
الخطر ليس فقط بسبب نقص الاستثمار، لكن أيضا في الاكتشافات النفطية العالمية الجديدة. في كانون الأول (ديسمبر)، أفادت شركة الأبحاث النرويجية "ريستاد إنيرجي" بأن شركات النفط اكتشفت أقل من سبعة مليارات برميل نفط وغاز في عام 2017 ـــ وهو أقل رقم على الإطلاق. وأشارت إلى أن هذا سيحل محل 11 في المائة فقط من إنتاج النفط والغاز لعام 2017، وأن آخر مرة اكتشف فيها العالم ما يكفي من النفط والغاز لتعويض إنتاج ذلك العام كان عام 2006. منذ بداية ثورة الزيت الصخري قبل عقد من الزمان، اكتشف العالم 110 مليارات برميل من النفط. في الوقت نفسه، بلغ الاستهلاك العالمي 360 مليار برميل. إن هذا العجز البالغ 250 مليار برميل بين الاكتشافات والاستهلاك سيزداد بالتأكيد في السنوات المقبلة، في ضوء الاتجاهات الحالية لاكتشاف النفط.
بعد كل ذلك، ألم يواجه العالم مخاطر مماثلة قبل عقد من الزمن، النفط الصخري والطاقات الاحتياطية التي كانت متوافرة في عدد قليل من دول "أوبك"، ولا سيما السعودية، أنقذت الموقف في حينها؟ لكن ليس من الواضح أن هناك موردا مماثلا للنفط الصخري جاهزا لإنقاذ الموقف اليوم. هناك بالفعل موارد نفطية يمكن تطويرها، لكن هذه المشاريع تستغرق وقتا طويلا حتى تكتمل. هذا هو السبب في أن كثيرين يتوقعون أنه خلال سنتين إلى ثلاث سنوات من المحتمل أن نرى أزمة إمدادات وشيكة. وكلما طالت مدة ضعف الاستثمار في الصناعة، ازدادت صعوبة تحاشي هذا السيناريو.

إنشرها