Author

زيارات ولي العهد .. والوجه الجديد للمملكة

|
مستشار اقتصادي
قام ولي العهد بزيارة أربعة بلدان غربية مهمة في رحلة واحدة ولمدة معتبرة لفتح صفحة جديدة ليس في العلاقات مع هذه الدول فقط ولكن لإعلان الوجه الجديد للمملكة وإعادة هيكلة النسق بين التوجهات التنموية الجديدة ممثلة في «الرؤية» وأنماط العلاقات الخارجية مع هذه الدول. الزيارات التحولية من هذا النوع تحتاج إلى بعض التحليل. التشبيهات التاريخية دائما حاضرة على الرغم من قصورها، ومع هذا سيذكر البعض زيارة الملك عبد العزيز لمصر للاجتماع مع روزفلت أو زيارة الملك فيصل لندن، ولكن ككل التشبيهات سيبقى ناقصا بسبب اختلاف الظرف التاريخي والمرحلة التي وصلتها المملكة بعد تراكم التاريخ وإعادة تمركز المملكة اقتصاديا وسياسيا في المنطقة. للزيارات مضامين مختلفة في المساحات الجيواستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية. الخريطة الجيوسياسية تغيرت في العالم والمنطقة، فالمملكة أكثر أهمية اقتصاديا وسياسيا، والعالم يمر بحالة مخاض جديدة من بروز دور الصين إلى إعادة الحرب الباردة مع روسيا ولذلك لا بد للمملكة من إعادة التموضع. تأصيل العلاقة مع المنظومة الغربية استراتيجي، ولكن العلاقة مع الصين كأكبر مستورد للنفط مهمة، والتفاهمات مع روسيا مهمة كمصدر رئيس للنفط ولاعب في المنطقة. أثبتت المملكة قراءة حصيفة لهذه التغيرات والتوازنات الدقيقة. هناك بعد اقتصادي مفصلي خاصة أن "الرؤية" في لبها تعميق للتحول الاقتصادي ولذلك تصبح التحالفات التجارية والاقتصادية مهمة لتهيئة الأرض، ولذلك حرص ولي العهد على زيارة المراكز الاقتصادية والتقنية في كل هذه البلدان خاصة أمريكا حيث قابل قيادات الشركات التقنية والمعلوماتية. كما أن هناك إرهاصات حول حرب تجارية قد تستفيد منها المملكة لحماية صناعتها وتعظيم الفائدة اختياريا مع بعض الدول. هناك أيضا بعد اجتماعي لا يقل أهمية، حيث استطاعت الزيارة إظهار المملكة بوجه جديد يعكس رغبة قيادية وشعبية للتحديث والتطور والانفتاح على العالم، ونجحت كثيرا في امتصاص النقد المتراكم والتهجم على الحالة المجتمعية في المملكة. في كل الأحوال فإن الأهم أن ولي العهد حقق نجاحا مؤثرا في التواصل وفتح سياق جديد لنمط العلاقة وإعادة تأهيل النظرة للمملكة. وقد شعر الوسط السياسي والثقافي الغربي كما في الصحف الغربية بنفس سعودي جديد متمثلا بدقة في الأهداف ورغبة في التحديث وجدية في الطرح. يبقى على الوسط السعودي التكنوقراطي أن يستثمر ما زرع ولي العهد من رأسمال سياسي وسمعة حسنة وعلاقات مع الشركات ومراكز الأبحاث والجامعات والشروع في بناء تنظيمات أكثر تنافسا داخليا كي تصل مرحلة التلاقح الفاعل مع مثيلاتها في الدول الغربية خاصة في الميادين الاقتصادية والعلمية. الأمل أن تتضافر الجهود ونسعى سويا لحقبة جديدة مختلفة نوعيا كما رسمها ولي العهد في ظل قيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز.
إنشرها