Author

إضفاء الشرعية على حركة ميليشياوية مجرمة

|
تجري اليوم محاولات حثيثة من قبل أطراف دولية وإقليمية عدة لمنح الشرعية لحركة طالبان التي ظننا أنها قبرت إلى الأبد ولم يعد لها مكان في العالم المتحضر، بعد ما ارتكبت من المجازر أبشعها، وانتهكت حقوق الإنسان على أوسع نطاق، واحتضنت جماعات إرهابية من كل صنف ولون، وتاجرت بالسموم والمخدرات من أجل تعزيز مواردها المالية، وجندت الأطفال والأمهات لتمرير أجنداتها الدموية وأفكارها البربرية. أما السبب في هذا التطور المخزي فيكمن في الإنهاك الذي حدث للمجتمع الدولي بمؤسساته وأعضائه لجهة إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وعلى رأس المنهكين، بطبيعة الحال، حكومة كابول الشرعية. فالأخيرة، التي كانت إلى وقت قريب ترفض الانفتاح على الطالبانيين الأشرار دون شروط، صارت تستجدي التحاور معهم، بل تتفق مع السلطات الباكستانية على إقناعهم بالدخول معها في مفاوضات وعلى وضع آلية لذلك، طبقا لما تمخضت عنه زيارة رئيس وزراء باكستان شاهد خاقان عباسي الأخيرة والأولى من نوعها خلال ثلاث سنوات إلى أفغانستان. وفي السياق نفسه، من المفيد العودة إلى تصريح أدلى به الرئيس الأفغاني الشرعي أشرف غني في أواخر شباط (فبراير) الماضي على هامش افتتاح المؤتمر الدولي الثاني لما يسمى "عملية كابول" للسلام في أفغانستان حينما أبدى استعداد حكومته لاعتبار "طالبان" قوة سياسية شرعية وفتح مكتب لها في العاصمة، بل تغيير الدستور الحالي من أجل خاطرها. ويمكن القول إن معظم الأطراف التي كانت ترى في حركة طالبان شرا مستطيرا، وجماعة مهددة للأمن والسلام، وميليشيات همجية من خارج العصر، قد بدأت مغازلتها للحركة في مسعى ارتدادي ومخالف لما تبنته من قبل حول حصر تعاملاتها مع حكومة كابول الشرعية وعدم الاعتراف بمنظمة ميليشياوية هدفها القتل والتدمير. والدليل على صحة ما نقول أن واشنطن وهي أكبر أعداء الحركة لم تنف وجود اتصالات بينها وبين زعماء "طالبان"، علما بأن هذه الاتصالات بدأت في ألمانيا في عام 2012 بين رجال المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي أيه" وعناصر بارزة في حركة طالبان. وينطبق الأمر نفسه على روسيا التي اعترفت أخيرا بوجود اتصالات بينها وبين الحركة المتطرفة، وكذلك الصين التي قال أحد أبرز خبراء الشأن الأفغاني وهو رحيم الله يوسف إنها دخلت بقوة على مسار الاتصالات بين كابول و"طالبان" أخيرا. هذا على الرغم من أن بين روسيا والصين من جهة و"طالبان" من جهة أخرى ما صنعه الحداد. أما إسلام أباد المعنية بالشأن الأفغاني أكثر من أي طرف آخر، بحكم الجوار الجغرافي والتداخل الديموغرافي والثقافي، فقد صدر عن وزير خارجيتها خواجة آصف أخيرا ما يفيد أن بلاده تقف على مسافة واحدة من كابول وطالبان على اعتبار أن كليهما "كيانان شرعيان" هكذا نصا! ويمكن القول إن حماس الحكومة الباكستانية المتزايد اليوم لاستخدام نفوذها على "طالبان" لإقناع الأخيرة بحضور محادثات سلام شاملة، تمليه رغبة إسلام أباد في تقديم خدمة لواشنطن على أمل تخفيف التوتر الحاصل بينها وبين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وبالتالي استعادة ما كان قائما بينهما من علاقات استراتيجية ودعم اقتصادي أمريكي سخي. أما طهران التي تلعب دورا خبيثا مزدوجا في الشأن الأفغاني فلا حاجة لنا إلى التذكير بوجود اتصالات بينها وبين الطالبانيين على أعلى المستويات منذ هزيمة الحركة الماحقة عام 2001 بدليل أن مقتل زعيم "طالبان" السابق "الملا أختر منصور" في أيار (مايو) 2016 حدث وهو عائد من لقائه مسؤولين إيرانيين كبارا عبر ضربة نفذتها طائرة درون أمريكية عند الحدود الباكستانية ـــ الإيرانية. هذا عدا أن الإيرانيين يدعمون الحكومة الشرعية في كابول علنا ويصرحون بأنهم مع عودة السلام إلى جارتهم الأفغانية، لكنهم في السر يمدون "طالبان" بكل أشكال الدعم إن لم يكن بهدف إيجاد موطئ قدم قوي في هذه البلاد إذا ما تمكنت "طالبان" من العودة إلى السلطة، فعلى الأقل بهدف عدم ترك القوات الأمريكية والغربية تعيش بأمان وراحة في أفغانستان. وعلى المنوال نفسه نجد أطرافا أخرى بدأت تغير مواقفها السلبية من حركة طالبان ولعل أبرز تجليات ذلك ما حدث أخيرا في العاصمة الأوزبكية طشقند التي احتضنت مؤتمرا حول أفغانستان كان الغائب الأكبر فيه هو حركة طالبان، بينما سجلت الدولة المضيفة حضورا بارزا من خلال تأكيد رئيسها شوكت ميرضيائيف على استعداد أوزبكستان العمل من أجل جمع أطراف النزاع الأفغاني بما فيها "طالبان" على طاولة المفاوضات، علما بأن طشقند عانت كثيرا في الماضي القريب إرهاب "طالبان" التي دأبت على زرع خلايا إسلاموية متطرفة في أراضيها بهدف تغيير النظام القائم والإتيان ببديل مشابه لإمارة أفغانستان الإسلامية المنقرضة. ويقول المراقبون إن موقف طشقند الجديد مرتبط أساسا بمحاولة فك عزلتها المريرة منذ زمن رئيسها السابق "إسلام كريموف" الذي كثيرا ما وجهت إليه الدوائر الغربية انتقادات حادة بسبب حكمه الديكتاتوري وسجله لجهة انتهاكات حقوق الإنسان. وموقف طشقند هذا مرتبط من ناحية أخرى بكسب ود واشنطن الساعية هي الأخرى لتحقيق السلام في أفغانستان بأي ثمن حفاظا على حياة جنودها المرابطين هناك. وقد برز في مؤتمر طشقند أيضا موقف الاتحاد الأوروبي ممثلا في ما قالته وزيرة خارجيته فريدريكا موجريني التي سجلت بطريقة غير مباشرة اهتمام الأوروبيين بعملية سلام أفغانية شاملة تشارك فيها فلول الطالبانيين.
إنشرها