FINANCIAL TIMES

العقوبات الأمريكية على روسيا تثير قلقا في سوق السلع

العقوبات الأمريكية على روسيا تثير قلقا في سوق السلع

متداولو السلع الذين شاهدوا العقوبات الأمريكية من الناحية العملية وهي تُخرج "روسال"، شركة الألمنيوم الروسية العملاقة، من السوق يسألون سؤالا بسيطا: من الذي سيأتي الدور عليه الآن؟
روسيا التي تستهدفها العقوبات الأمريكية بسبب عملياتها في أوكرانيا وروسيا ونشاطاتها الإلكترونية الموجهة ضد الغرب، هي محرك قوي للسلع الأساسية. وأكبر شركات الإنتاج فيها إما أنها مملوكة للدولة، وإما مملوكة لقلة من الأغنياء الذين لديهم علاقات مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وهذا يفاقم من خطر إمكانية أن تكون مستهدفة بموجب "قانون الرد على خصوم أمريكا من خلال العقوبات" الذي تم إقراره في السنة الماضية واستُخدِم ضد روسال ـ وتبين أنه أقسى بكثير من عقوبات سابقة فرضت في عام 2014.
كثير من شركات الإنتاج، بما فيها شركة تصدير الغاز الروسية "غازبروم"، وشركة روسنفت التي يسيطر عليها الكرملين، تُستخدَم في بعض الأحيان لتعميق أهداف السياسة الخارجية لدى موسكو في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وفي حين أن استهداف روسال ومالكها، أوليج ديريباسكا، دفع بأسعار الألمنيوم إلى أعلى بنسبة 12 في المائة منذ يوم الجمعة، وكان مؤلما بالنسبة لبعض الشركات الغربية، إلا أنه لن يكون له سوى أثر ضئيل في الاقتصاد العالمي.
لكن تنفيذيين في شركات السلع ومحامين ومحللين يحذرون من أنه إذا استهدفت الولايات المتحدة شركات النفط والغاز الروسية الكبرى المسؤولة عن معظم الإيرادات الضريبية التي تذهب إلى الكرملين، فإن الأثر المحتمل في الاقتصاد العالمي يمكن أن يكون بالغا على نحو لا يستهان به.
غازبروم، مثلا، تورد تقريبا ثلث جميع كميات الغاز الذي يجري استهلاكه في أوروبا، بينما تضخ روسنفت أكثر من 5 في المائة من إمدادات الخام العالمية.
دانييل مارتن، وهو شريك في شركة إتش آر دبليو للمحاماة في لندن، يقول: "من غير المرجح أن نرى إجراء أمريكيا أحاديا يكون مؤثرا في احتياجات الطاقة الأوروبية. هناك إدراك في الولايات المتحدة أن أسواق الطاقة الأوروبية تعتمد إلى حد كبير على روسيا، خصوصا إمدادات الغاز".
وارتفعت أسعار النفط الآن فوق 70 دولارا للبرميل، وهي قريبة من مستواها العالي الذي شهدته منذ أربع سنوات، وذلك جزئيا بسبب مخاوف من أن العقوبات يمكن أن تتوسع.
التنفيذيون في شركات الطاقة الروسية، بمن فيهم أليكسي ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم، وفلاديمير بوجدانوف، رئيس شركة سورجونفتجاز للنفط، التي تضخ 11 في المائة من ناتج الخام الروسي ولديها معمل تكرير ضخم، أصيبوا بالعقوبات في الأسبوع الماضي، حتى في الوقت الذي تتردد فيه الولايات المتحدة في توسيع العقوبات لتصل إلى شركات الطاقة أنفسها.
يقول جيمس هندرسون، وهو خبير في الشؤون الروسية ومدير في برنامج الغاز الطبيعي لدى معهد أكسفورد للطاقة: "من اللافت للنظر أنه تم استهداف (أليكسي) ميلر، رغم حقيقة أنه هو شخصيا، وليس غازبروم، يخفف من وقع العقوبات. مع ذلك، هذا يشير بالتأكيد إلى إمكانية توسيع العقوبات لتصل إلى قطاع الغاز".
روسنفت التي كانت هدفا لعقوبات أضعف في عام 2014، تمت عرقلة خططها لتطوير ذراع تداول كبيرة، لكنها أنشأت علاقات عميقة مع شركتي جلينكور وترافيجورا اللتين تعملان في مجال التداول في السلع الأساسية.
إيفان جلاسينبيرج، الرئيس التنفيذي لشركة جلينكور، الذي استقال من مجلس إدارة روسال يوم الثلاثاء الماضي بسبب العقوبات، حصل على مقعد في مجلس إدارة روسنفت في السنة الماضية بعد أن ساعدها في تنفيذ عملية ملتوية لبيع حصة، بدعم من شركته ومن صندوق الثروة السيادية القطري.
بريتيش بتروليوم تمتلك أيضا حصة بنسبة 20 في المائة في روسنفت. وبوب دادلي، الرئيس التنفيذي لبريتيش بتروليوم، هو أيضا عضو في مجلس إدارة روسنفت.
وقال تنفيذي في إحدى دور تداول السلع إنه سمع بأن وزارة المالية الأمريكية توصلت إلى أن ملاحقة روسنفت أو غازبروم الآن من شأنها أن تحدث اضطرابا فوق الحد.
تعليق تطبيق العقوبات، بموجب قانون الرد على خصوم أمريكا، على شركات الطاقة الروسية من شأنه أيضا أن يسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بالتهديد معلقا على رؤوس الشركات المذكورة، في وقتٍ يتصاعد فيه التوتر حول سورية في أعقاب هجوم كيماوي على الغوطة.
وتستطيع الولايات المتحدة، إذا اختارت توسيع العقوبات، أن تستهدف شركات طاقة روسية أصغر، مثل نوفاتيك، التي أدت عقوبات أمريكية في عام 2014 إلى سد باب التمويل الغربي في وجهها ما اضطرها إلى التحول إلى الصين للحصول على دعم لمشروع يامال للغاز الطبيعي المسال.
وامتدح الرئيس الروسي إنشاء مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال في السنة الماضية على أنه عرض يبين المرونة الروسية في وجه العقوبات الأمريكية وأشرف شخصيا على تحميل أول ناقلة من شبه جزيرة سيبيريا. ومنذ ذلك الحين تسلم سفن الشركة شحنات الغاز في كل الولايات المتحدة وبريطانيا، ما أثار عاصفة من الاحتجاج في البلدين.
وحتى الأحجام الصغيرة نسبيا من يامال من شأنها أن تكون كافية لإحداث اضطراب لا يستهان به في سوق الغاز، إذا تم استهدافها من قبل الولايات المتحدة.
ووفقا لمتداولين ومحللين، الأمر الأرجح في المرحلة الحالية هو أن تختار الولايات المتحدة استهداف شركات إنتاج المعادن الروسية الكبيرة، مثل نوريلسك نيكل، التي يسيطر عليها أحد أغنياء القلة، هو فلاديمير بوتانين. وتسيطر روسال على 28 في المائة في نوريلسك.
وأن العمليات العسكرية المحدودة بقيادة الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، المدعوم من روسيا، قال تنفيذيون في شركات السلع الأساسية إنهم يتابعون التطورات من كثب.
وبحسب مارك هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة كونكورد ريسورسيس، التي تتداول في السلع الأساسية "للمرة الأولى منذ عقود المخاطر السياسية هي المخاطر الرئيسة التي يتعين على متداولي السلع أن يقلقوا بشأنها. هذه لم تكن هي الحال منذ ثمانينيات القرن الماضي".
وقال: "سيحاول الجميع معرفة أي سلعة أو منطقة أو سوق يمكن أن تكون التالية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES