Author

3 أولويات للاقتصاد العالمي «1 من 4»

|
يبهرني دائما مذاق هونج كونج الخاص، يكفي أن ننظر إلى إبداع أهلها وطاقتهم الهائلة. . إلى قدرتهم ليس فقط على التكيف مع التغيير، بل العمل الدؤوب على تشكيل مستقبلهم. إن التحول الذي شهدته هونج كونج -من قاطرة للصناعة التحويلية إلى محرك للتجارة العالمية ومركز مالي بمستوى عالمي- يعكس التزامها الفريد بالانفتاح، بالجمع بين المواهب المحلية من ناحية والأفكار المبتكرة والخبرة المتخصصة من مختلف أنحاء العالم من ناحية أخرى. وبالطبع، مع زيادة الانفتاح الاقتصادي تزداد الحساسية تجاه الاتجاهات العالمية المتغيرة. وأهل هونج كونج يدركون تماما أن تاريخ الاقتصاد لا يتحرك أبدا في خط مستقيم، إنما يسير في دورات. ويعلمون أن الاقتصاد حين يكون في حالة تحرك -صعودا أو هبوطا- لا يمكن لصناع السياسات أن يقفوا أمامه مكتوفي الأيدي. وهذه هي قصة اقتصادنا العالمي أيضا. فالعالم يمر حاليا بفترة صعود قوي تبشر بارتفاع الدخول ومستويات المعيشة. ومن الضروري تحقيق هذا الأمل الواعد، ليس فقط هنا في آسيا، إنما في جميع أنحاء العالم أيضا. وما زلت أدعو كل الحكومات للاستفادة من زخم النمو الحالي للقيام بإجراءات السياسة اللازمة وتنفيذ الإصلاحات الضرورية، خاصة في أسواق العمل وقطاعات الخدمات. وبعبارة أخرى، ينبغي إصلاح السقف بينما الشمس لا تزال ساطعة. وهذه الإصلاحات غالبا ما تكون صعبة من المنظور السياسي، لكن تنفيذها يصبح أسهل وأكثر فعالية عندما تكون الاقتصادات في حالة صعود وليس هبوطا. وقد بدأت بعض الحكومات تتحرك في هذا الاتجاه بالفعل، لكن مزيدا من العمل لا يزال مطلوبا. إن الفرصة سانحة. لكن الحاجة إلى هذا العمل أصبحت الآن أكثر إلحاحا؛ نظرا للزيادة الكبيرة في أوجه عدم اليقين ـــ من التوترات التجارية إلى تصاعد المخاطر المحيطة بالنظام المالي والمالية العامة إلى زيادة عدم اليقين الجغرافي ـــ السياسي. فكيف يمكن أن نحافظ على الصعود الاقتصادي الراهن في مواجهة هذه المخاطر المتزايدة، وكيف يمكننا تعزيز النمو طويل الأجل الذي يعود بالنفع على الجميع؟ هذه هي القضايا التي سيناقشها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في اجتماعات الربيع التي يعقدها الصندوق والبنك الدولي الأسبوع المقبل. وهي القضايا التي أود أن أتحدث عنها اليوم. حالة الاقتصاد العالمي والخبر السار هو أن المشهد الاقتصادي مشرق في معظمه -الشمس لا تزال ساطعة. فنحن نرى الزخم العالمي المدفوع بزيادة الاستثمار، وتعافي التجارة، والأوضاع المالية المواتية -ما يشجع الشركات والأسر على زيادة الإنفاق. ولهذا توقع الصندوق في كانون الثاني (يناير) أن يبلغ النمو العالمي 3. 9 في المائة في عامي 2018 و2019، وكما سترون في تنبؤاتنا الأسبوع المقبل، نحن لا نزال متفائلين. فالاقتصادات المتقدمة يتوقع أن تحقق نموا أعلى من المستوى الممكن على المدى المتوسط في العامين الحالي والمقبل. وفي أوروبا، على سبيل المثال، أصبح الصعود الاقتصادي أوسع نطاقا عبر بلدان المنطقة. وقد وصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى مستوى التشغيل الكامل، ومن المرجح أن تزداد سرعة النمو؛ نظرا لسياسة المالية العامة التوسعية. وفي الوقت نفسه، لا تزال الآفاق مشرقة هنا في آسيا -وهو أمر جيد للجميع، لأن هذه المنطقة تسهم بنحو ثلثي النمو العالمي. فالاقتصاد يواصل نموه القوي في اليابان، بينما يرتكز النمو في الأسواق الآسيوية الصاعدة -بقيادة الصين والهند- على تزايد الصادرات وارتفاع الاستهلاك المحلي. ولا تزال التحديات قائمة في بعض البلدان الصاعدة والنامية الأخرى -بما فيها إفريقيا جنوب الصحراء- وإن كانت البلدان المصدرة للسلع الأولية تشهد صعودا اقتصاديا متواضعا. إذن نعم، المشهد العالمي مشرق في الوقت الراهن. لكننا نستطيع رؤية غيوم داكنة تلوح في الأفق... يتبع.
إنشرها