default Author

مرض يميز أصحابه

|
تخيل أنك تعيش في جزيرة تكسوها الخضرة، وزرقة بحرها تكاد تأخذ الألباب، وسماؤها صافية، وأشجارها وأزهارها ذات ألوان خلابة، ولكنك مع ذلك لا تستطيع أن تميز بين تلك الألوان، ولا أن تستمتع بجمالها، فكل ما تراه من كل هذا، هما فقط الأسود والأبيض! ولن تكون وحدك في ذلك، فجزء كبير من سكان "جزيرة ينجيلاب" الواقعة ضمن أرخبيل ميكرونيزيا في المحيط الهادئ قرب إندونيسيا والفلبين، يعجزون عن تمييز الألوان ولا يرون سوى لونين فقط الأبيض والأسود! وذلك بسبب إصابتهم بمرض غريب منذ ولادتهم يعد نادرا جدا خارج نطاق جزيرتهم، إذ يصيب واحدا من بين كل 30 ألف شخص حول العالم، أما داخل الجزيرة، فتبلغ نسبة الإصابة به بين السكان "8.1 في المائة"، ويبدو أن الوراثة هي العامل الرئيس وراء هذا المرض الغريب، الذي يسمى "عمى الألوان الكلي". فما حكاية هذه الجزيرة المنكوبة مع العمى؟! بدأت مأساتهم قبل قرون من هذا الزمن، ففي عام 1775 قتل "إعصار لينجكييكي" 90 في المائة من سكان جزيرة "بينجيلاب". أعقبت الكارثة الطبيعية مجاعة ووفيات عالية قضت على أغلبية السكان، ولم ينج منهم سوى 20 شخصا فقط، ومن سوء الحظ أن من بين الناجين الملك "نانماركيموانينيزد"، الذي كان مصابا بعمى الألوان الكلي. كان عدد الناجين قليلا جدا، لكنه كاف كي لا ينقرض شعب هذه الجزيرة. وبسبب العزلة التي عاشها الأفراد المتبقون والتزويج القسري ـــ حيث كان الزواج بالأجانب أو من خارج الجزيرة مرفوضا بشدة ـــ انتشرت هذه الحالة كثيرا بين السكان، وتفشت بعد بضعة أجيال! ولا تقتصر مصيبتهم على عدم تمتعهم بما يحيط بهم من جمال وطبيعة خلابة، بل الأمر تعدى إلى أخطر من ذلك، إلى طعامهم، فهم لا يستطيعون التمتع بالأكل ولا التفرقة بين أنواعه ولا الحكم على جودته، حيث يعاني السكان صعوبات بالغة في الحكم على طعامهم والتمييز بين الفاسد أو المتحلل منه. كما يعانون حساسية قوية ضد أشعة الشمس "رهاب الضوء"، تجعل العمل في الهواء الطلق أمرا صعبا للغاية، حتى التمتع بالجو حرموا منه! ولكن الله لا يسلبك نعمة إلا وهبك خيرا منها، فلديهم مقابل ذلك ميزة فريدة، مكنتهم هذه الأحادية اللونية "الدنيا لديهم أبيض وأسود فقط" من الاستمتاع بميزة الرؤية الليلية، إذ يستطيعون رؤية وتمييز سمكة تسبح في منطقة مجاورة بوضوح كامل، وإدراك بعض التفاصيل، التي لا يراها الأشخاص العاديون. لذا يسخرون هذه القدرة للحصول على رزقهم وغذائهم، فلا يخرجون بقوارب صيد السمك إلا ليلا عند حلول الظلام، حيث لا يوجد إلا هم، فيحصلون على رزق وفير بعيدا عن ضوء النهار.
إنشرها