Author

توطين الصناعات في الوقت الصحيح

|
من أهم المخططات التي تعمل عليها السعودية، منذ إطلاقها "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها، التوطين بكل أشكاله وعلى مختلف الميادين. وهذا التوطين هو بحد ذاته استراتيجية تنموية وطنية تحاكي متطلبات المستقبل واستحقاقاته، وهو يشمل المحال التجارية الصغيرة كما يشمل أيضا المشاريع الكبيرة المتطورة. والقائمون على تنفيذ "الرؤية"، يمضون قدما في عملية التوطين الكبرى، مستخدمين عدة أدوات ناجعة، منها مثلا، تضمين الاتفاقات مع الشركات والمؤسسات الأجنبية توظيف نسب من السعوديين، ضمن الخطة الوطنية الشاملة، واستحداث كيانات للتدريب والتأهيل في مجالات مختلفة، خصوصا تلك التي تعتبر جديدة على الاقتصاد السعودي، ناهيك طبعا عن برامج الابتعاث التي تمثل محورا رئيسا في عملية البناء الاقتصادي. هذا يفسر بالطبع تحركات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الساحة الأمريكية، في زيارته "جولته" المهمة هناك. وولي العهد، لم يوقع على شراكة سواء أمريكية أو أوروبية أو غير ذلك، لا تتضمن جانبا مهما يتعلق بنقل الخبرات، خصوصا في المجال التقني إلى الساحة السعودية. وبمعنى أدق، العمل على توطين تقنية الصناعات، بما فيها بالطبع الصناعات العسكرية التي باتت تشكل عمادا رئيسا في المخططات الاستراتيجية السعودية الكبرى. والشراكة الأخيرة التي وقع عليها في مدينة سياتل الأمريكية تتحدث عن نفسها في الواقع، لماذا؟ لأن الجهة الأمريكية المعنية اتفقت على نقل 55 في المائة من عمليات الصيانة والإصلاح وتعمير الطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة والمروحية إلى الجانب السعودي. فضلا عن نقل تقنية دمج الأسلحة على تلك الطائرات وتوطين سلسلة الإمداد لقطع الغيار. وهذه النسبة من التوطين في هذا المجال، لن تقف عن هذا المستوى. ففي المرحلة المقبلة ستشهد ارتفاعا طبيعيا بحكم تراكم الخبرات لدى الكوادر الوطنية السعودية، إلى أن تصل إلى 100 في المائة. والمملكة قادرة بالطبع على ذلك، بحكم وجود كوادر تلقت التأهيل المناسب في السابق، وتقوم حاليا بمزيد من التأهل وفقا لتطور الصناعات العسكرية. والكوادر السعودية هي نفسها ستتحول لاحقا إلى جهات توفر التدريب اللازم على الساحة الوطنية للأجيال المقبلة. فالعملية لا تتوقف فقط عند طبيعة اتفاقات الشراكة المشار إليها، بل تتعداه إلى مرحلة تحقيق كل الأهداف التي وردت في "رؤية المملكة"، ولاسيما أنها أهداف تتعاطى مع المستقبل حتى أكثر من تعاطيها مع الحاضر. التوطين الراهن المتفق عليه، يشمل نواحي متعددة ومحورية، ما يؤكد مجددا أن المملكة قادرة على الاعتماد على نفسها في هذا المجال في مرحلة لاحقة. فهذه الشراكات استراتيجية عميقة. كما أنها تؤكد على أن الكادر السعودي يستطيع أن يعمم ذلك على كل الصناعات الجديدة على الساحة الوطنية. ويحدث الآن بالفعل هذا الأمر في بعض الصناعات المدنية، فضلا عن الخدمات الأساسية. في المرحلة المقبلة، ستكون هناك صناعات مختلفة في المملكة، بعضها غربي وآخر آسيوي، وكلها تحتاج إلى الكادر الوطني، ليس فقط لأن القيادة العليا تولي أهمية خاصة لهذا الجانب، بل أيضا لأن الصناعات نفسها يهمها هذا الجانب لأسباب استثمارية أيضا. المملكة تمضي قدما في مجالات جديدة عليها، بل جديدة على المنطقة ككل، وفي المرحلة المقبلة، ستكون مؤهلة هي نفسها لتوفير الخبرات والخدمات عالية الجودة لمن يرغب من بلدان المنطقة. إنه العمل الدؤوب الذي يثمر عن أشياء ستبقى للأبد.
إنشرها