Author

الإعلام العربي والوصايا السبع

|
أستاذ جامعي ـ السويد
هل هناك وصايا محددة تمكن الخطاب الإعلامي بصورة عامة من التقرب من الموضوعية والنزاهة، وما يرافقهما من قيم مثل الدقة والحيادية والتوازن والتجرد والإنصاف وعدم قبول مواقف تظهر أن هناك تضاربا في المصالح؟ الجواب هو أن البحث العلمي والأكاديمي الذي يتناول الخطاب الإعلامي فيه كثير من الوصايا مثلا لتميز الخبر المزيف عن الخبر الصحيح. بيد أنني لم ألحظ ـــ حد معرفتي المتواضعة ــــ أن باحثا وضع أسسا محددة اختصرها مثلا في "الوصايا السبع". ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى "وصايا" أو نقاط محددة تنطلق من نظريات معرفية ولكنها يسيرة الفهم والتداول والتطبيق من المتلقين للرسالة الإعلامية؛ وهؤلاء بطبيعة الحال ربما يمثلون الكون كله لأن قلما نجد هناك شخصا فيه لا يتأثر بما تبثه أو تجتره الوسائط الإعلامية المختلفة. وإن أردنا أن نضع وصايا هكذا، سبعا أو أكثر أو أقل، أرى أنه لا بد أن تعالج أهم وأخطر مرحلتين في الممارسة الإعلامية وهما: مرحلة جمع المعلومات ومرحلة معالجتها أي تحويلها إلى محتوى. 1. الأخبار، وهي عصب الصحافة والإعلام، تبتعد عن النزاهة إن كانت مرحلة جمع المعلومات فيها تستند إلى مصادر غير مهنية. وفي غياب عملية تحرير محكمة ونزيهة، يصبح المحتوى عرضة للتلاعب والتضليل. 2. وهناك أيضا مسألة الزمكانية. بُعد الوسيلة الإعلامية عن موقع الحدث يزيد من إمكانية تضليل وتزييف المعلومة ضمن المحتوى، وعلى الخصوص إن تمت معالجة المعلومة دون تطبيق معايير تحريرية محكمة. 3. تلعب طريقة التعامل مع المصادر عند جمع المعلومات ومعالجتها كخبر مثلا دورا مهما لفرز الزيوان عن الحنطة عند قراءة الأخبار. تعدد المصادر (أكثر من مصدر ينقل عنه قوله في آن واحد) وعموميتها ومجهوليتها عامل مساعد لفرز الخبر الطيب عن الخبيث. 4. وتزداد إمكانية التضليل والتلاعب بالنص عند الإسناد الحرفي وحتى التعبيري إلى مصدرين أو أكثر وتتفاقم المشكلة في حالة مجهولية المصادر. 5. وللإسناد دور لا يمكن الاستغناء عنه في تقييم المعلومة. إن رأينا أن الإسناد جله يوائم وجهة نظر الوسيلة الإعلامية وأيديولوجيتها وواقعها الاجتماعي، عندئذ علينا التعامل بحذر شديد مع الخبر. 6. وتزداد إمكانية التضليل عند جمع المعلومة ومعالجتها كخبر في حال قيام الوسيلة الإعلامية بانتقاء مفردات توائم توجهات وميول أصحاب نعمتها أو انتقاء مفردات أو عبارات تلطيفية، حسنة التعبير، للتمويه على عمل "غير حميد" لهم، واستخدام عبارات غير حميدة لتهميش ما يعاكسهم. 7. تتعاظم نسبة الغش والتلاعب بالنصوص الإعلامية عند إسنادها إلى شواهد وأدلة لا يمكن التحقق منها أو أنها من العمومية والمجهولية بمكان، حيث من المستحيل معرفة ليس اسم أو أسماء الذين تم النقل عنهم بل حتى تسليط ضوء خافت على ماهيتهم، وأين هم بالضبط ومن هم ولمن يتبعون وكيف استقت الوسيلة الإعلامية المعلومة منهم. هذه هي الوصايا السبع التي أراها مهمة لأنها أولا تقع ضمن إطار فكري نظري وفلسفي ومن ثم أراها أيضا سهلة التطبيق والتحليل من قبل متلقي الرسالة الإعلامية بصورة عامة. والآن يحق لنا التساؤل إن كان الخطاب الإعلامي في العربية أو أي لغة أخرى يأخذ هذه الوصايا السبع محمل الجد. في رأيي، إن وسائل الإعلام والصحافة بصورة عامة والإعلام العربي بصورة خاصة لا تكترث في أغلب الأحيان لمصداقية الإسناد وطريقة التعامل مع المصادر. أما بقدر تعلق الأمر بوسائل التواصل، فحدث ولا حرج. وعدم مراعاة هذه النصائح أو الوصايا السبع جعل الخطاب الإعلامي العربي بصورة عامة وبشقيه التقليدي والحديث أسير الماضي مع أطره الخطابية التي أكل عليها الدهر وشرب. ولأن الخطاب الإعلامي في مرحلتي جمع المعلومة ومعالجتها كمحتوى يهمل وصايا مثل هذه، صار يطفو على سطحه صراع لغوي يتم فيه فرز الناس والمجتمعات وحتى الشعوب إلى أشرار وأخيار، جيدين وسيئين، نافعين ومضرين، وما إلى ذلك من توصيفات ثنائية تنبش أحداثا وشخوصا تاريخية راح زمانها ومكانها بيد أن تأثيرها لا يزال شاخصا للعيان. وكنتيجة لعدم العمل بوصايا مثل التي ذكرتها أعلاه، نلاحظ ظهور إسناد غير مقبول وغير منطقي في الصحافة العربية يعارض ويعاكس، لا بل ينتهك أبسط مقومات تراث الإسناد لدى العرب، في مؤشر واضح على التحيز وعدم النزاهة. هل لدينا أمثلة حية من الإعلام العربي الرئيس على ما قلته؟ نعم إنها من الكثرة حيث لا نحتاج إلا إلى إلقاء نظرة سريعة على ما تبثه المواقع الرئيسة من أخبار كي نستشهد بها لتطبيق الأطر النظرية التي تضمها الوصايا السبع. وهذا بالضبط ما سأقوم به في مقال الأسبوع القادم، بعون الله تعالى.
إنشرها