Author

كيف نصحح سوق العمل؟ ومتى؟

|

ما من وطن إلا ويفترض فيه أن يجعل مواطنيه في مقدمة المستفيدين من خدماته التعليمية والصحية، وغيرها من الخدمات، وكذلك يمكنهم من الوظائف، وفرص العمل، ليكونوا في طليعة من يستفيد من الخيرات إلا أن ظروفا قد تحول دون ذلك أحيانا، وتسير الأمور عكس المطلوب، فيجد المواطن منافسة شرسة من الوافدين تتمثل في عدم تمكينه من الدخول لبيئة العمل من الأساس، وإن قدر له ودخل بأي صورة، إما بواسطة، وإما بضغوط تمارس من طرف داخل منظمة العمل، وإما من خارجها يبقى مصدر تهديد محتملا لزملائه الوافدين، ولذا يتعرض للمضايقة، والتهميش، وعدم تمكينه من اكتساب الخبرة، وإسناد أعمال بسيطة، وغير ذات أهمية له.
واقع سوق العمل في بلادنا يقول إن هناك ما يزيد على 12 مليون وافد، جزء منهم يمكن الاستغناء عنه فورا لأنه يعيش عالة على المجتمع، وليس له أي إنتاجية، بل إن ضرره أكثر من نفعه في مخالفة الأنظمة، وممارسة ما يضر بالوطن والمواطن، إضافة إلى إرهاق الخدمات العامة، والتقليل من العمر الافتراضي للبنية التحتية، إلا أن جزءا آخر يزاول أعمالا تحتاج إلى مهارات، وتدريب، كما في صيانة السيارات، وهذه يوجد لدينا شباب درسوا، وتدربوا إلا أنهم يؤثرون أعمالا أخرى على ما تخصصوا فيه، وهذه مشكلة ثقافية على الصعيد الفردي والاجتماعي، كما أن هناك أعمالا أخرى جيدة، ومريحة، كما في بيع التجزئة المحتكرة الآن من الوافدين.
مشكلة تشبع سوق العمل بالعمالة الوافدة، ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكمات أسهمت فيها الجهات الرسمية المعنية، وأتذكر أنه قبل 20 عاما عقد في قاعة الملك فيصل في فندق إنتركونتننتال برعاية الأمير نايف ـــ رحمه الله ـــ مؤتمر خاص بالعمل والعمالة، ومما طرح في حينه معرفة المتسبب في تضخم السوق بالوافدين؛ الحكومة، أم رجال الأعمال، وكان مما قاله حسين أبو داود رئيس الغرف التجارية في ذلك الوقت إن رجال الأعمال ليسوا السبب في تشبع سوق العمل، فهم أحرص على استثمار من تم استقدامهم، ولا يتركونهم في الشوارع، حتى أنه قال الدولة تعرف من المتسبب، فهي التي تمنح التأشيرات لمن يمارسون التستر، ما تسبب في الوضع الراهن.
منذ ذلك المؤتمر، وقبله وحتى الآن لم تسكت الأصوات، والدعوات عبر الكتابات، والبرامج الإعلامية حول إصلاح وضع السوق، بما يخدم المواطن والوطن لمعالجة البطالة عالية النسبة التي وصلت إلى 12.8 في المائة‏، ومع الإجراءات الأخيرة المتمثلة في وطن بلا متخلف إلا أن هذه الإجراءات لا تكفي لحل مشكلة البطالة في أوساط الشباب حامل المؤهلات الجيدة الذي يتحدث عن نفسه بقوة عبر وسائط التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي.
سوق العمل لها عناصر عدة أولها طبيعة العمل، أو المهنة، وثانيها الموظف، سواء في الحكومة، أو القطاع الخاص، وثالثها الجهات التنظيمية، والرقابية المشرعة، وواضعة القوانين التي يقع على عاتقها متابعة أوضاع سوق العمل، مثل وزارة الخدمة المدنية، ووزارة العمل، ومجلس الشورى، والغرف التجارية، أما العنصر الرابع فهو الباحث عن العمل، وقد يكون مواطنا أو وافدا، مؤهلا أو غير مؤهل، له سابق خبرة أو دون، وما من شك أن هذه العناصر مجتمعة، أو أحدها تحدد من يكسب الوظيفه، فصاحب العمل له شروطه ومواصفاته فيمن يعمل لديه، والوظيفة لها متطلباتها فيمن يشغلها، والباحث عن العمل لديه قدراته ومهاراته التي ربما ترتقي إلى المواصفات المطلوبة، أو تقل عنها.
تعقدت السوق بحكم التغيرات التي مر بها المجتمع خلال السنوات الماضية والانفتاح غير المدروس والمنضبط ترتب عليه هذا العدد الهائل من العمالة الوافدة التي وجدت طريقها إلى مواقع العمل، ومنافسة المواطن، بل محاصرته في كثير من الأحيان.
من أجل إصلاح خلل السوق لابد من غرس ثقافة عمل قوية لدى النشء تمكنه من استعادة دوره في بناء مجتمعه، ثقافة تجعل منه طاقة، بدلا من ثقافة التسكع، وسحب الرجلين، كأنما يساق لساحة العدل، إضافة إلى تقوية وتمتين الثقة بالنفس لدى الشاب ليشعر بقدرته على منافسة الآخرين، بما لديه من علم ومهارات تناسب المهنة التي يرغب في شغلها، وفي هذا الفعل يفرض المواطن نفسه، ويجعله كفاءة قوية، الكل يبحث عنها، أما الجهات التشريعية والرقابية، فدورها سن الأنظمة، ومراجعة ما هو قائم منها، حتى يتم الحد من تصرفات الجهات الموظفة، وممارساتها المفضلة للوافد على حسب المواطن، بتبريرات شتى، بعضها واقعي والآخر غير منطقي.
التدريب وإعادة التدريب بهدف التأهيل، وإعادة التأهيل ضرورة لا بد منها، إذا ما أردنا إعادة تصحيح السوق، مع ما يعنيه ذلك من متابعة المستجدات في التقنية التي تطرأ على سوق العمل، الناجمة عما تحدثه التقنية من استبعاد لبعض المهن، وإيجاد لمهن جديدة، ولعله من المناسب الإشارة إلى أن بعض الدول تستقطب بعض من سبق لهم العمل في المملكة، خاصة في المجال الطبي، لما اكتسبوه من خبرة، وتدريب على أحدث الأجهزة. أعتقد أن التربية العسكرية تمثل أحد عناصر الثقافة الجديدة، لإيجاد أفراد ذوي صلابة نفسية تناسب الظروف المعاصرة.

إنشرها