ثقافة وفنون

جولة «مهندس الرؤية» تعيد تعريف الثقافة السعودية للعالم

جولة «مهندس الرؤية» تعيد تعريف الثقافة السعودية للعالم

تمهيداً لإصدار المملكة التأشيرات السياحية ابتداءً من أبريل المقبل، وما ينطوي على هذا القرار من انفتاح ثقافي، أثمرت جولة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مكاسب ثقافية حضارية، تتجلى في التقارب مع الثقافات والحضارات الأخرى، وإعادة تعريف الثقافة السعودية التي بقيت لعقود من الزمان تختبئ خلف ستار "الصحوة".

منحى جديد
مثلت تصريحات واتفاقيات وجولات ولي العهد الأخيرة مفاجأة لكثيرين، فهي لم تكشف عن قدرات استثمارية واقتصادية ومكاسب سياسية ودبلوماسية فحسب، إنما عن تحولات فكرية واجتماعية وثقافية يشهدها المجتمع السعودي، تنبئ بانفتاح على الآخر، ومزيد من التقارب الحضاري.
المنحى الجديد الذي اتخذته زيارة ولي العهد للمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية هو الجوانب المعرفية والثقافية، ونشر الفنون والإبداع بعيداً عن اختلاف العادات والتقاليد واللغة، فالعالم يتطلع إلى التعرف أكثر على ما يفكر فيه ولي العهد، هذا الشاب، الذي يعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في العالم، كما تود التعرف بالقدر ذاته على ثقافة بلاده، بعد أن رأوا ملامح شيقة منها في فعاليات رافقت الجولة الخارجية، لتصبح محط اهتمامهم.

"مسك" والأمريكيين
في أمريكا، تزامنت زيارة ولي العهد مع فعاليات ثقافية متنوعة، لعل أبرزها فعاليات معهد مسك للفنون، المنبثق من مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز "مسك الخيرية"، وذلك في واشنطن ونيويورك، إذ أعادت تعريف الثقافة، وقدمت التنوع الثقافي السعودي للمجتمع الأمريكي بلغة "اللون والضوء"، حيث تضمنت الفعاليات أداءً حياً لفنانات سعوديات يرسمن القط العسيري، الذي صُنف أخيراً في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وأعمالاً فنية لأكثر من 33 فناناً من مختلف مناطق المملكة، وورش عمل وندوات، ومتحفاً للأخبار والصحف، وأداء موسيقيا سعوديا، ومشاركات في كافة الأصناف الفنية أبرزت الشباب السعودي وما يحمله من ثقافة وإبداع.
وبالفعل؛ أثارت الفعاليات، التي أقيمت في مركز كينيدي أحد أهم المعارض في العالم، شغف الأمريكيين بالتعرف على السعودية، إذ شهدت حضوراً غير مسبوق من قبل السياسيين والدبلوماسيين وحتى المواطنين، الذين وجدوا فارقاً عما سبقه من معارض ثقافية، ومزيجاً من التراث وأصالة الماضي وحداثة الحاضر.
لقد خاطبت الفعاليات خيال الأمريكيين، الذي قدموا بدافع الفضول للاطلاع على المملكة الجديدة، التي وضع رؤيتها شاب طموح، يلتقي سياسييهم ومسؤوليهم اليوم.
أما نيويورك، ففيها كان يؤدي معهد مسك دور "السفير الثقافي"، ففي مركز فيليبس في نيويورك انطلقت الفعاليات الفنية والثقافية التي تحاكي التراث السعودي، ووفرت على مدى أربعة أيام صورة قريبة جداً من الواقع عن مجتمع الأمس واليوم.
المعرض، الذي زاره الدكتور عواد العواد وزير الثقافة والإعلام، تضمن عرض فيلم وثائقي بعنوان "إطلالة نحو السعودية"، وهو فيلم يعتمد تقنية الواقع الافتراضي للمملكة، بعدسات فنانين مبدعين من الشباب السعوديين، ويحكي قصة مجتمع يزخر بكثير من التنوّع والتعدد، ويعيد رسم صوره بمنظور جيل جديد من الفنانين المعاصرين، الذين ينقلون مشاهداتهم عن المرحلة الجديدة التي تعيشها المملكة.

فضول البريطانيين
سبقت زيارة ولي العهد إلى أمريكا، زيارة مثمرة إلى بريطانيا استمرت ثلاثة أيام، شملت اتفاقيات واستثمارات في قطاعات التعليم والصحة والثقافة والترفيه والخدمات المالية والتقنية والعلوم والابتكار والطاقة والأمن والدفاع، لكن مما أثار إعجاب البريطانيين العروض الفنية التي تضمنتها الأيام الثقافية السعودية في بلادهم، مواكبة للزيارة الرسمية، التي نظمتها "مسك الخيرية" والهيئة العامة للثقافة، الهيئة الفتية التي استطاعت أن تنظم فعالية مرموقة، تضمنت معارض فنية وألواناً موسيقية وأفلاماً سعودية، ووفرت منصة تفاعلية للمواهب الإبداعية السعودية كي تقدم أعمالها إلى الجمهور العالمي.
الصحف البريطانية ووسائل التواصل الاجتماعي، نقلت انطباعات البريطانيين عن الثقافة السعودية، ولعل أبرز ما قيل والأكثر تأثيراً ما أفردته صحيفة "الإندبندنت" على صفحاتها عن الموهوبين السعوديين، الذين نقلوا الهوية السعودية بشكل معاصر.
"الإندبندنت" نقلت إبداعات السعوديين بشكل مسهب، ووصفت بإعجاب فنانا شابا بـ "بيكاسو السعودي"، وكانت الصحيفة مأخوذة بتلك الفنون، التي وصفتها تارة بـ "المذهلة"، وتارة بـ "النابضة بالحياة"، لتلفت العالم إلى ثقافة اختبأت لسنوات وسنوات.

المسرح السعودي
بعد أن عانى المسرح السعودي إهمالاً كبيراً خلال السنوات الماضية، جاءت الهيئة العامة للثقافة لتؤكد دور المسرح، والحفاظ عليه بصفته مكونا ثقافيا مهما، يسهم في عكس هوية المملكة وحضارتها، ويترجم رؤيتها للمستقبل وعام 2030.
الهيئة وقعت مذكرة تفاهم مع مسرح الشباب الوطني في بريطانيا، تتضمن إطار عمل للتعاون المشترك، وسلسلة من ورش العمل والإنتاجات المسرحية المتميزة بمشاركة موهوبين من الشباب والفتيات من المملكة.
وبحسب تصريح للرئيس التنفيذي للهيئة العامة للثقافة المهندس أحمد المزيد، فإن هذه المذكرة ستسهم في إتاحة فرص التدريب واكتساب أفضل الممارسات في الدول الأخرى، وإبراز الثقافة والفنون السعودية، وتطوير المواهب الثقافية عبر الحدود.

اهتمام عالمي
لطالما ظلت الثقافة السعودية محل اهتمام وتقدير وفضول ملايين حول العالم، وربما روت الأيام والفعاليات الثقافية التي رافقت زيارة ولي العهد عطش كثيرين نحو هذه الثقافة، إلا أن ذلك كله لا يكفي.
فالمثقفون والزوار يتطلعون إلى عيش تجربة حقيقية في ربوع المملكة، يكتشفون من خلالها الدرعية، وأزقة قرية ذي عين، وجدة التاريخية برواشينها ذات الطراز العمراني الفريد، وتناول "المنتو" و"اليغمش" و"الكبسة" و"الكليجا"، بل وزيارة المواقع الضاربة في عمق التاريخ مثل مدائن صالح وجبل القارة، واكتشاف الصفات التي يتسم بها المواطنون من كرم وشهامة وحسن استقبال للضيف.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد حددت شهر أبريل المقبل لبدء إصدار التأشيرات السياحية، في خطوة ستسهم في نشر الثقافة ودعم قطاع السياحة، إلا أن برنامج التأشيرات وما وصل إليه من شروط وتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي ومكاتب السفر والسياحة لا يزال غير واضح المعالم، في حين يمكن تطبيق ما وصلت إليه التجارب العالمية في هذا الميدان، وتطوير حملات سياحية بإشراف الهيئة، لإطلاع العالم على الكنوز الثقافية التي تحتضنها المملكة، وتاريخها مع الحضارات القديمة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون