Author

وباء الحزن

|

اجتاح وباء حمى النفاس أوروبا وأمريكا في أواخر القرن الـ18 وأوائل القرن الـ19. وفي أوج انتشاره قتل هذا الوباء من 70 في المائة إلى 80 في المائة من النساء اللاتي وضعن مواليدهن في مستشفيات. لقد كانت أعراض المرض تشتمل على آلام شديدة في البطن، ويتطور الأمر بسرعة كبيرة حتى تموت المرأة وسط ذهول وصدمة تعلو الوجوه. وتسببت أعداد الوفيات الكبيرة في قلق شديد في المجتمعات وقتئذ. وأثر هذا الوباء على المزاج العام وعم الحزن الأرجاء وارتفع النحيب. وواجه الأطباء هذا الوباء بحملات توعوية وإرشادية. انتشرت التوصيات الطبية والاقتراحات التي تحذر من طعام محدد وسلوكيات غذائية. منع بعض الأطباء الأمهات الحوامل من التواصل مع الآخرين. طالبوهن بالانعزال طوال التسعة أشهر حتى لا يلقين حتفهم. مرت سنوات طويلة كان فيه قرار الحمل أشبه بالانتحار. كان أفراد العائلة عندما يعلمون أن قريبتهم حامل يلتفون حولها محتجين. يلحون عليها لتجهض، وإن لم تتجاوب يقومون بمحاولات جادة لقتل الجنين بطرق مختلفة. 
في ظل هذه الأجواء المشحونة كتب الطبيب الأمريكي أوليفر هولمز مقالا علميا في مجلة "نيوانجلاند للطب والجراحة" قدم فيها فرضية أن الأطباء أنفسهم هم وراء موت الأمهات الجديدات. أصر الدكتور هولمز أن انتشار الوباء يعود إلى عدم قيام الأطباء بتطهير أدواتهم التي كانوا يرتدونها أثناء رعاية النساء المصابات بالمرض.
وواجه هولمز حينها حسب الكاتب سيمون سينك هجوما شرسا من زملائه الأطباء منددين بمقالته التي أرجعوها إلى فشله المهني ورغبته في تحقيق المجد على الورق. نجح الأطباء في قمع كلمات هولمز لمدة 12 سنة تقريبا. فلم يلق أحد بالا لمقالته. وواصل بعض الأطباء، وقتئذ، نصائحهم التي بلغت منع الأمهات الجديدات من الاستحمام لأسابيع لتفادي الإصابة بالوباء. بعد أن باءت كل الاجتهادات بالفشل والتي استغرقت نحو 13 عاما وكبدت آلاف الضحايا عاد بعض الباحثين لمقالة هولمز وحللوها علميا. ثم أخذ الأطباء بها. قاموا باتخاذ تدابير التعقيم اللازمة فاختفى الوباء تدريجيا حتى توقف. نحن في أحيان كثيرة نعتقد أن المشكلة في آبائنا أو أساتذتنا أو رؤسائنا. نلقي اللوم عليهم وننسى أننا قد نكون سبب المشكلة. قبل أن ترمي الاتهامات على الآخرين تأكد أنك لست سبب المشكلة الرئيس. فربما تكون أنت السبب لكنك لا تعرف ذلك أو لا ترغب أن تعرف. نشأت وأنت تؤمن أن الآخرين هم سبب كل المشكلات وأنت الضحية دائما. معظم مشكلاتنا بدأت منا وفي أيدينا الحل. علينا فقط أن ندرك ذلك لنظفر بالحلول والسعادة التي تليق بنا أكثر من الحزن والتعاسة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها