أخبار اقتصادية- عالمية

بكين تسعى لإزالة التوتر التجاري مع واشنطن بمحادثات ثنائية

بكين تسعى لإزالة التوتر التجاري مع واشنطن بمحادثات ثنائية

بعد أسبوع متوتر في العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، حذرت الصين الولايات المتحدة أمس من أنها "مستعدة وقادرة على حماية مصالحها الوطنية" في حرب تجارية محتملة. جاء ذلك خلال محادثة هاتفية بين ليو هي المسؤول الاقتصادي الرئيسي في الصين وستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي وتم الاتفاق على الاستمرار في التواصل بشأن قضايا التجارة بين البلدين.
وفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إجراءات عقابية ضد واردات صينية، يمكن أن تبلغ قيمتها "60 مليار دولار"، تستهدف قطاعات تقول واشنطن "إن بكين سرقت فيها التكنولوجيا الأمريكية".
وبات أمام الإدارة الأمريكية مهلة 15 يوما لنشر لائحة بالمنتجات التي ستفرض عليها رسوما، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تكن واضحة تماما بشأن المقصود بهذه المبالغ وهل هي قيمة الواردات التي ستفرض عليها رسوم أو قيمة الرسوم على هذه الواردات؟
وبحسب "الفرنسية"، قال ليو "إن تحقيقا خاصا تجريه الولايات المتحدة منذ سبعة أشهر في الممارسات التجارية الصينية ينتهك قواعد التجارة العالمية"، مشيرا إلى التحقيقات الأمريكية بشأن حقوق الملكية الفكرية.
وأقر البرلمان الصيني الإثنين الماضي تعيين المستشار النافذ ليو هي، المسؤول في الحزب الشيوعي الذي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، في منصب نائب رئيس الوزراء، على أن يشرف على القطاعات المالية والاقتصادية الصينية.
ونقلت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" عن ليو هي، قوله لمنوتشين "إن الصين على استعداد للدفاع عن مصالحها الوطنية، وتأمل أن يُبقي الجانبان على عقلانيتهما ويعملا معا حفاظا على الاستقرار الكلي للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية".
ولم تتأخر بكين في الرد على التهديدات التي أطلقها ترمب، فهددت بدورها بفرض رسوم جمركية على أكثر من مائة منتج أمريكي، وأشارت وزارة التجارة الصينية إلى أن "بكين لا تخشى في أي حال حربا تجارية".
وسارعت الصين إلى إعلان لائحة من 128 منتجا أمريكيا يمكن أن تفرض عليها رسوما بين 15 و25 في المائة في حال فشلت المحادثات مع واشنطن.
إلا أن إجراءات الرد الصينية تبدو معتدلة، فالمنتجات المستهدفة تمثل ثلاثة مليارات دولار من الواردات الصينية في العام الماضي، أي بالكاد 2 في المائة من إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة التي بلغت قيمتها 154 مليار دولار في 2017.
وبين المنتجات التي سيتم فرض رسوم عليها بنسبة 15 في المائة الفاكهة الطازجة والنبيذ والجينسنج والإيثانول وأنابيب الصلب غير الملحومة، بينما سيتم فرض رسوم بنسبة 25 في المائة على لحوم الخنزير والألمنيوم المعاد تدويره.
إلا أن اللائحة لم تتضمن الصويا لأنه في حال فرض رسوم عليه فإن العواقب يمكن أن تكون خطيرة على المزارعين الأمريكيين خصوصا في الولايات التي دعمت ترمب في الانتخابات الرئاسية في 2016.
وأعلن واي جيانجوو نائب مدير مركز التبادل الاقتصادي الصيني والمساعد السابق لوزير التجارة لصحيفة "تشاينا ديلي" أن بكين تعد لائحتين أخريين، ستتضمنان منتجات كالطائرات والشرائح الإلكترونية.
وأضاف جيانجوو أن "الرسوم قد تطول السياحة وقطاعات أخرى، والعام الماضي بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين 375.2 مليار دولار".
إلى ذلك، قال تسوي تيان كاي السفير الصيني لدى الولايات المتحدة في مقابلة خاصة مع وكالة "بلومبيرج" الأمريكية، "إن بلاده ترفض الحمائية التجارية وستناضل ضد أي حرب تجارية محتملة".
وأضاف كاي أن "الجانب الصيني يرفض بوضوح أي تدابير حمائية أحادية الجانب ستؤذي الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، وتعود بالضرر بالتأكيد على الحياة اليومية للطبقة المتوسطة الأمريكية، والشركات والأسواق المالية الأمريكية".
وذكر السفير الصيني لدى واشنطن "بكين لا تريد حربا تجارية مع أي طرف، وما زلنا نحاول تجنبها. لكن لو أجبرت الحرب على الأرض، فلا بد أن نقاوم، وسنتخذ كافة الإجراءات اللازمة".
ويرى كاي أن هناك إمكانية كبيرة للتعاون الصيني الأمريكي ،"لكن الأمر الأساسي هو أن يتبنى الجانبان نهجا تعاونيا وبناء، لأن النهج القائم على المواجهة لن يخدم أي طرف".
وأردف أن "أي نزاعات أو خلافات بين البلدين لا بد أن تحل عبر الحوار والتشاور وأن الصين لن تخضع أبدا تحت التهديد أو الإكراه"، وبالنسبة إلى تأثير الإجراءات الأمريكية، أوضح السفير الصيني أن الاقتصاد العالمي متداخل بشكل وثيق مع المصالح المشتركة بين الدول.
وأشار كاي إلى أنه على الرغم من الفائض مع الولايات المتحدة، إلا أن بلاده لديها عجز ضخم مع دول أخرى في نفس الوقت، وهذا خير دليل على طبيعة سلسلة الإمدادات العالمية، ويجب على الناس أن يكونوا حذرين عند اتخاذ الإجراءات، لأنهم قد يلحقون الضرر بالجميع، بما في ذلك أنفسهم.
وتابع الدبلوماسي الصيني "لدينا فائض مع الولايات المتحدة كبير جدا نريد أن نقلصه.. هناك اتفاق بين الصين والولايات المتحدة على ضرورة تقليصه من أجل مصلحة البلدين".
واستغرب السفير اتخاذ الإجراء في ظل التشاور المستمر بين البلدين قائلا "لم نفهم لماذا اتخذ هذا الإجراء في ظل وجود مشاورات جارية بين الحكومتين"، مؤكدا أن اتهام الولايات المتحدة للممارسات التجارية الصينية وكذلك حقوق الملكية الفكرية على سبيل المثال لا يستند إلى أي أساس.
وأوضح كاي أن "القوانين الصينية تحمي حقوق الملكية الفكرية، ونحن مستعدون لمساعدة أي شركة تتعرض لانتهاكات، لكن لم يتم تقديم أي دليل.. ولا يوجد قانون أو لائحة تجبر على نقل التكنولوجيا في الصين.. الشركات تقوم بعقد الصفقات التي تعتقد أنها جيدة بالنسبة إليها.. ولو لديها أي شكاوى، يجب عليها اللجوء إلى القانون الصيني، وسنقوم بمساعدتها".
وعندما سئل الدبلوماسي الصيني عن القيود الأمريكية المقترحة على الاستثمارات من الصين، ذكر كاي أن الإجراء لن يكون له معنى سياسي أو اقتصادي إيجابي لأنه لا يستند إلى مبرر وجيه، ما قد يضر بالاقتصادات المحلية في الولايات المتحدة، ويسبب خسائر في فرص العمل، ويؤذي الاقتصادي الأمريكي ككل في النهاية.
في ذات السياق، وعلى مستوى ردود الأفعال الغربية على الإجراءات الحمائية الأمريكية، هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أوروبا سترد "بدون تهاون" على تهديدات واشنطن بفرض رسوم على الصلب والألمنيوم.
وقال ماكرون في ختام قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل "لا نتحدث عن أي شيء من حيث المبدأ عندما يكون مسدس مصوبا إلى رأسنا".
وتراجعت البورصات العالمية جراء تصاعد المخاوف من أن تؤدي المواجهة إلى حرب تجارية، وفي غضون ذلك دعا روبرتو أزيفيدو مدير عام منظمة التجارة العالمية إلى عودة التعقل وقال في بيان "إن فرض عوائق تجارية جديدة سيهدد الاقتصاد العالمي".
إلا أن ترمب أعلن الجمعة في مؤتمر صحافي عقب توقيعه قانون الميزانية الأمريكية أن جهوده بدأت تؤتي ثمارها.
وحذرت روابط الشركات الألمانية من نشوب صراع تجاري خطير بين الولايات المتحدة والصين، ورأى فريدولين شتراك، المتحدث باسم الرئاسة التنفيذية للجنة آسيا والمحيط الهادئ في روابط الشركات الألمانية، أن "بيانات الإدارة الأمريكية سببت لنا قلقا كبيرا".
ويتفق شتراك مع الإدارة الأمريكية في وجود اختلالات الوصول إلى الشركات الصينية "فمقارنة بالأسواق المفتوحة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، توجد حواجز عالية للوصول إلى الأسواق في الصين".
وأعرب شتراك أيضا عن قلق الشركات الألمانية حيال تطور مناخ الأعمال في الصين، مشيرا إلى تراجع اقتصاد السوق وإعطاء الأولوية لأهداف الحزب الحاكم" ومع ذلك فإن الاقتصاد الألماني يعمل من أجل توسيع نطاق نظام التجارة العالمية القائم على قواعد مع منظمة التجارة العالمية وليس تهديده من خلال إجراءات أحادية الجانب".
وأوضح شتراك أن الصين تستفيد للغاية من منظمة التجارة العالمية والأسواق المفتوحة، ورأى أن على الشركاء الغربيين الاستفادة من هذا الأمر كفرصة لمواصلة تطوير قواعد التجارة العالمية.
ودعا بكين إلى "الرد بطريقة حكيمة واتخاذ تدابير انفتاحية واسعة النطاق، وذلك في إطار الانفتاح الذي تكرر التأكيد عليه من قبل منظمة التجارة العالمية".
من جانبه، أوضح جابريل فيلبرماير، رئيس مركز "إيفو" للتجارة الخارجية، أنه "يبدو أن جزءا من الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتمثل في اتخاذ موقف مشدد مشترك ضد الصين". وسعت إدارة ترمب إلى التهدئة مع عديد من شركائها الرئيسيين من بينهم الاتحاد الأوروبي، مع إعلانها "تعليق الضرائب حتى الأول من أيار (مايو) المقبل، وتضم اللائحة التي يشملها القرار الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية".
وفي هذا الاتجاه، حذر فيلبرماير من نشوب حرب تجارية بين أوروبا والصين بدلا من نشوبها بين أوروبا والولايات المتحدة، ولفت إلى أن حجم التجارة بين ألمانيا والصين زاد في العام الماضي بمقدار 20 مليار يورو مقارنة بحجم التجارة بين ألمانيا والولايات المتحدة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية