أخبار اقتصادية- عالمية

سوق اللوحات النادرة تشهد انتعاشا بدعم تحسن نمو الاقتصاد العالمي

سوق اللوحات النادرة تشهد انتعاشا بدعم تحسن نمو الاقتصاد العالمي

يشعر المستثمرون في سوق اللوحات الفنية عبر العالم بثقة متزايدة وتفاؤل بشأن الطلب هذا العام، حيث أسهم انتعاش المبيعات خلال العام الماضي، في رواج المزادات، وخاصة اللوحات الفنية النادرة، وبيعها بأسعار مرتفعة جدا. ويرى مختصون أن الثقة المتزايدة بسوق اللوحات الفنية تأتي انعكاسا للتفاؤل تجاه تحسن نمو الاقتصاد العالمي ، حيث يشعر مقتنو اللوحات الفنية حاليا، أن بإمكانهم جني أرباح كبيرة من مقتنياتهم من اللوحات التي احتفظوا بها لسنوات وربما عقود.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إل. آر . أون المختص في مجال بيع وشراء اللوحات الفنية، إن أكثر من نصف ما تقوم دار المزادات الكبرى في لندن الآن بعرضه من لوحات الفن الحديث لم يعرض للبيع في مزاد من قبل، وذلك يدل على قناعة البائعين بأنه يمكنهم جني أرباح كبيرة من مقتنياتهم من اللوحات التي احتفظوا بها لسنوات وربما عقود، حيث إنه مناخ غير معهود من التفاؤل في هذه السوق.
ويتوقع المختصون بيع دار المزادات الكبرى في لندن فقط هذا العام ما قيمته 772 مليون دولار من لوحات الفن الانطباعي والحديث والمعاصر بزيادة تقدر بـ 25 في المائة عن عام 2016 حيث بلغت المبيعات فيه 620 مليون دولار.
وإذ يرى بعض المختصين أن الوضع الراهن في سوق اللوحات الفنية، يعكس شعورا دوليا بالتفاؤل تجاه نمو الاقتصاد العالمي، ومنطقية قرار الاستثمار في هذا المجال الفريد، فإن مجموعة أخرى من المختصين يقيمون الوضع بطريقة مختلفة.
فالدكتورة ماتيلدا انجرام أستاذة الاقتصاد المعاصر والخبيرة في مجال اقتصادات أسواق الفن، ترى أن تلك التطورات المعاصرة تعكس تغيرا في توزيع الثروة على النطاق العالمي وتغير مراكز القوى الاقتصادية في العالم، وانعكس ذلك على طبيعة الطلب على اللوحات الفنية.
وتؤكد لـ"الاقتصادية"، أن طبيعة البائعين لم تتغير كثيرا، فأغالب البائعين ينتمون إلى البلدان الرأسمالية عالية التطور، مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وهذا منطقي وطبيعي، حيث إن معظم البائعين أشخاص أثرياء أو شخصيات عالمية مشهورة في مجال الفن أو الرياضة، وقد حازوا على تلك الأعمال الفنية سواء للاستثمار عن طريق بيعها مستقبلا أو للاستمتاع بها، وعندما وجدوا أن الظروف مواتية لتحقيق الأرباح قرروا البيع، ومن ثم فإن سوق العرض لم تتغير. وتضيف "أغلب كبار الرسامين في الفن المعاصر أو الحديث أو الانطباعي ينتمون إلى البلدان الرأسمالية عالية التطور، ولهذا يمكن القول إن السوق لم تكن عالمية بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما هي سوق محصورة بين أبناء البلدان الرأسمالية عالية التطور التي ينتمي إليها الرسامون والبائعون والمشترون وحتى دور المزادات، سوقا تعكس موازين القوى والثراء والثقافة العالمية".
وتتابع" هذا الوضع يتغير بشكل ملحوظ الآن، فالأمر لم يعد كما كان في السابق، ففي السابق كان الطلب كالعرض، يأتي أيضا من أثرياء البلدان الرأسمالية عالية التطور، حيث كانت رؤوس الأموال والاهتمام بالثقافة كمعبر عن الرقي والتقدم والقوة يتركز في تلك البلدان، الآن ما يراوح بين ثلث وثلثي المشترين ينتمون إلى منطقة الخليج العربي والصين والأثرياء الروس، وهذا يعكس تحول الثراء والقوة تدريجيا إلى تلك المناطق من العالم".
وتشير إلى أنه عندما استقرت الثروة النفطية في الخليج في التسعينيات، وازدادت الصين قوة وثراء نتيجة عملية التصنيع، وانفتحت روسيا على العالم وزاد عدد الأثرياء الروس، اهتموا بعمليات شراء كبيرة للقطع الفنية، ولكنها قطع فنية تعكس ذائقة محلية، فالخليجيون يشترون ما يتصل بالتحف الإسلامية، والصينيون انصب اهتمامهم على القطع الفنية الخاصة بالأسر الإمبراطورية الصينية في الحقب المختلفة، والروس كان مجال اهتمامهم مرحلة ما قبل الشيوعية.
وذكرت أن الأمر حاليا مختلفا، حيث إن أثرياء تلك البلدان باتت لهم ذائقة عالمية، تعكس تنامي دورهم في الاقتصاد الدولي، إذ يشترى أثرياء تلك البلدان لوحات الفن العالمي، وبفضلهم باتت سوق الفن حاليا ذات طابع دولي حقيقي.
وتوقعت أن يشاهد بحلول منتصف القرن تحول منطقة الخليج وهونج كونج وموسكو إلى التحكم أيضا في دور المزادات.
وإذ يعزو البعض الديناميكية الراهنة في سوق اللوحات الفنية إلى عاملين أحدهما يرتبط بالتراكم المتزايد للثروة سواء بين الدول أو بين الأفراد على المستوى العالمي، فإن انتشار وسائل الاتصال وسع من نطاق الأشخاص المشاركين في سوق اللوحات الفنية عالميا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، جلوفر جوردلينك الخبير السابق في دار فيليبس للمزادات " تراكم الثروات سمح بارتفاع أسعار اللوحات الفنية، إذ يطمئن البائع إلى وجود أشخاص لديهم القدرة المالية والرغبة في الانفراد بحيازة تلك اللوحات، بينما سمحت سهولة الاتصال بوصول قطاع أكبر من المشترين إلى السوق مقارنة بالماضي".
ويضيف " لكن علينا أن نتذكر أن سوق اللوحات الفنية تتطلب أن يتمتع المستهلك بدرجة من المعرفة المتخصصة، وإلا تعرض البائع للغش والخداع، وكثير من المشترين الجدد في السوق، وللحد من تكاليف البحث والاعتماد على خبراء عند الشراء، فإنهم يقومون بشراء أعمال فنية معروضة في مزادات دولية فيضمنون بذلك عدم تعرضهم للغش، ولكنهم لا يكتفون بذلك، خاصة إذا كان الهدف من عملية الاقتناء هو إعادة البيع لاحقا لتحقيق الربح، ففي هذه الحالة يقومون بشراء لوحات لأسماء فنية كبيرة، وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع أسعار لوحات كبار الفنيين، إذ تسهم محدودية خبرة المشتري في رفع الأسعار أعلى من المتوسط الطبيعي".
ومع هذا فإن بعض المختصين يدعون إلى التريث وعدم الاندفاع نتيجة النجاحات التي حققتها أسواق اللوحات الفنية خلال العام الماضي والتوقعات الإيجابية لهذا العام. فجون سميث الخبير الاستثماري يعلق لـ"لاقتصادية" قائلا " العام الماضي بلغت مبيعات أكبر ثلاث دور عرض في لندن من اللوحات الفنية قرابة 800 مليون دولار ، والعام الجاري التوقعات إيجابية أيضا، لكن في سوق شديد الحساسية للتقلبات والتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية فإن الأمر يتطلب الانتظار لنحو أربع أو خمس سنوات متتالية للقول إن هناك إيجابية في الأسواق، إذ يكفي أن يتم الكشف عن زيف لوحة يعتقد أنها نادرة، حتى تنكفئ الأسواق على نفسها مجددا". ويؤكد أن السوق تتضمن حاليا قدرا كبيرا من المضاربين الراغبين في تحقيق أعلى ربح ممكن من الازدهار الذي حدث خلال العام الماضي والتوقعات الإيجابية لهذا العام، وتلك الفئة أقل قدرة على تحمل الانكماش الاقتصادي أو الهزات العنيفة، حيث إن أي هزة في هذه السوق الحساسة تدفعها إلى الانسحاب وهو ما يصيب الأسواق بمزيد من التصدع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية