Author

عامل النظافة .. ونظام الرقابة الداخلية في المستشفى

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

القصة بدأت عندما تعرضت ابنتي الصغرى إلى ألم شديد واشتباه التهاب بالزائدة، وبسرعة توجهت إلى أحد المستشفيات القريبة، وهو مستشفى متخصص في أمراض الأطفال، وقد تم استقبال الحالة وفق ما تقتضي به الإجراءات من خلال الطوارئ، كما تم التحقق من الشخصية والعلاقة بالمريض، واستدعاء الطبيب المقيم، الذي قام بكل الإجراءات الطبية في مثل هذه الحالة، من تحاليل، وأشعة، مع استدعاء الطبيب المختص الذي قرر دخول المريضة لمزيد من الملاحظة، وهذا الدخول تطلب مني الكثير للعبور من خلال الإجراءات الرقابية التي من بينها توقيع وثائق مختلفة تمنح الأطباء حق التدخل الطبي وإجراء العمليات اللازمة، وكولي أمر قلق على صحة ابنتي قمت بذلك كله، وتم دخولها المستشفى، وأخيرا بعد ثلاثة أيام قرر الأطباء عدم ضرورة إجراء العملية والاكتفاء بالمضادات الحيوية لأحصل على فرصة التعرف على عامل النظافة «رحيل» وفهم دوره الرقابي.
إجراءات الضبط والرقابة عند خروج المريضة تتطلب أولا تقرير الخروج الذي يعده الطبيب المشرف على الحالة، وقد تم تطوير برنامج إلكتروني لذلك، حيث يقوم الدكتور بإعداد تقريره واعتماده إلكترونيا، وتقوم الممرضة بالإجراءات الأخرى ضمن الواجهة الإلكترونية، وهذا بذاته عمل جيد يواكب التطورات التقنية ويسهل الرقابة على العمل، لكن الموقف من جانب ولي الأمر مختلف بالطبع، فهو يقف في الجانب المظلم من هذا العمل وفقط عليه البقاء في صالة الاستقبال بانتظار انتهاء الإجراءات الإلكترونية تلك التي لا يعرفها ولا يعرف وقت الانتهاء منها، وهذا أخذ وقتا طويلا مني أكثر مما ينبغي في نظري، والغريب في الإجراءات أن لا أحد يخبرك بأنها انتهت والتصريح بالخروج ينتظرك، عليك البقاء حتى تجد أنك قد أطلت الانتظار عن آخر مرة سألت فيها، وإذا لم يستجد شيء عليك العودة إلى مقعدك والبقاء حتى يأتيك الشعور نفسه بالتأخير، فلن يتم إرسال أي تبليغ لك لا عند الدخول ولا الخروج، إذا مللت من الانتظار اسأل وقد يحالفك الحظ ويخبرك الموظف بأنه قد تم إعداد تقرير بالخروج، وعليك الآن دخول جولة جديدة من الإجراءات الإلكترونية للتصريح، التي تبدأ بالحصول على بطاقتك الشخصية وتنتهي بطباعة أوراق كثيرة للتوقيع عليها، ولن يتبرع أحد ليوضح ما هذه الأوراق؟ وبعد التوقيع منك ومن الموظفين عليك انتظار عامل النظافة «رحيل»، كآخر خط رقابي، عليك المرور من خلاله قبل الوصول إلى قريبتك المريضة، أو وصولها إليك.
ما علاقة عامل النظافة «رحيل»، بنظام الرقابة الإلكتروني لمستشفى أو ما دوره؟ سؤال مهم لكن الإجابة بسيطة للغاية فبعد طباعة جميع الأوراق التي وقعت عليها شخصيا، وأخذ الموظف الرسمي نسخة منها، تم وضعها جميعا مع غيرها ممن سبقك على كرسي جانبي بانتظار العامل رحيل، الذي عليه أن يأخذها بيده إلى مكتب الممرضات بالقسم حتى تقوم الممرضة بإعداد المريضة للخروج (فهي لم تكن تعلم ذلك من قبل فلم يصلها أي إشعار من الطباعة الإلكترونية)، عليك انتظار العامل رحيل حتى يفرغ من جميع أنشطته الأخرى في المستشفى ومن بينها نقل أغراض المرضى إلى سياراتهم وغسل بعض السيارات في الطريق والقيام ببعض الأعمال الأخرى ذات العلاقة. ستنتظر ثم تنتظر قبل أن تقرر وتسأل عن الأوراق، وبينما الجميع يعمل بشكل طبيعي ولا أحد يهتم ستجدها موضوعة على كرسي انتظار العامل رحيل، وإذا استبد بك القلق وخرجت من ثياب الحصافة والأدب، فقد تسمع صراخ أحدهم وهو ينادي على العامل رحيل دون جدوى، عليك بعدها أن تبدأ البحث بنفسك عن عامل النظافة لتجد العشرات من العمال، ولا يـأخذك العجب فلا أحد منهم يعرف العامل رحيل، أو هكذا يدعون، وعندما تقرر الخروج إلى مواقف السيارات ستجده - إذا حالفك الحظ بالطبع - هناك في بعض أعماله، وعليك أن تمر عبر الإجراءات الرقابية لتقنعه بترك تلك الأعمال والعودة إلى مكتب الاستقبال من أجل استكمال دوره الرقابي في المستشفى، وأخذ الأوراق إلى مكتب الممرضات من أجل خروج المريضة، وإذا نجحت واقتنع بأهمية دوره يأتي تكرما بأخذ أوراقك وبعض الأوراق الأخرى لغيرك والصعود بها إلى القسم، ووضعها على مكتب الممرضات والعودة مرة أخرى إلى أعماله المهمة. 
من المدهش في النظام الرقابي كثرة التوقيعات من جانبك ومن غيرك ومع ذلك فلن تأخذ الأوراق أو نسخة منها بأي شكل، لكن ذلك العامل قام بأخذ الأوراق دون أن يوقع على أي سجل، كما سلمها إلى مكتب الممرضات دون أي إثبات بالتوقيع على أي سجل، والأكثر دهشة أن عليك انتظار العامل إذا رجع ليؤكد لك أنه تم تسليم تلك الأوراق وعلى مريضتك حينها أو من يكون معها الذهاب لتبحث عن هذه الأوراق وتخبر الممرضة أنها وصلت وأنها تريد الخروج، لأنك الآن قد مللت الانتظار بعدما أمضيت ثلاث ساعات منذ وصلت إلى صالة الاستقبال ولم تخرج مريضتك بعد، على الجميع في مكتب الممرضات البحث عن هذه الأوراق وأين وضعها العامل، ثم بدء إجراءات الرقابة الأخيرة قبل الخروج مع عاملة نظافة أيضا. وفي نظام رقابي مثل هذا يرتكز على عامل النظافة رحيل أتساءل فعلا عن حجم ما تم إنفاقه على بناء البرنامج الإلكتروني؟ 

إنشرها