Author

مفاهيم اقتصادية جديدة لتعزيز الاستثمار

|

في عالم متعدد الأقطاب يبحث عن مفاهيم اقتصادية جديدة تفسر العلاقات الدولية المتقاطعة اقتصاديا مع مظاهر التنافر السياسي، فإن من يؤثر في هذه المفاهيم والتصورات الجديدة سيملك زمام المبادرة أو على الأقل سيكون شريكا في صياغتها، ولقد عاشت المملكة والشعوب العربية ككل في ظلال الاقتصادات المتقدمة، وتشربنا لعقود طويلة مفاهيم متعددة لم نسهم في صياغتها، ما جعلنا غير قادرين على تقديم إسهامات عالمية أفضل من مجرد تقبل الوضع الراهن كأفضل خيار. لكن الأحداث الخطيرة التي شهدتها الأمة العربية منذ انهيار النموذج الاشتراكي مع تفكك الاتحاد السوفيتي وعدم قدرة أي قائد عربي على تقديم مخرج للأزمة التي طالت حتى وقعت الأمة فيما سمي بالربيع العربي، وفي ظل الأحداث الكبرى تلك كان هناك جيل جديد من القيادة يريد أن يعبر بالأمة من عنق الزجاجة حتى يصل بها إلى مقام يليق بتاريخها، ولقد وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى اتخاذ قرارات حاسمة من أجل تمكين الشباب واختيار الأمير الشاب محمد بن سلمان وليا للعهد. ولقد أثبت الأمير الشاب أنه يمثل ذلك الجيل القادم بقوة إلى الساحة الدولية بفكر جديد تماما، فكر يريد أن يكون له مبادرته الخاصة في عالم يشكل مفاهيمه الاقتصادية من جديد. وهذا التحدي الكبير الذي يقوده ولي العهد يتطلب عملا دؤوبا ورسما للعلاقات من جديد ومع جميع الأقطاب، علاقات تفرض فيها المملكة نفسها كلاعب رئيس في المرحلة المقبلة. وإذا كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى المملكة المتحدة قد وضعت كثيرا من القواعد الجديدة فإن زيارته للولايات المتحدة تجعل المسار الذي يمضي فيه الأمير واضح المعالم.
لقد استطاعت المملكة بحكمة بالغة التعامل مع تبعات الأزمة المالية العالمية، بل تسهم في حلها كأهم لاعب اقتصادي، كما تغلبت على آثار التدهور السياسي الذي شهدته المنطقة العربية، وما تبعه من انهيار في أسعار النفط، وتجاوزت كل تلك المحن، بل قادت الجميع في مسار آمن نحو أفضل الخيارات المتاحة في ظل تآمر واسع لإفشال جهودها. هذا كله جعل المملكة قطبا عالميا أصبح له هيبته، ويجب أن يشارك في وضع قواعد اللعبة الاقتصادية ويحدد مفاهيمها الجديدة، فمن المهم أن يشعر الجميع بالتوازن الضروري للاستدامة وأن المغامرات أحادية الجانب لها تكلفة باهظة الثمن والأزمة المالية العالمية كانت خير دليل. من المهم أن يعي جميع الأطراف لعبة الأدوار، فمن يشتري لابد أن يبيع أيضا ومن يبيع لا بد أن يستثمر مع الآخرين، وبقاء طرف واحد كمشتر صاف وطرف آخر كبائع صاف يخل بالتوازن في عالم الأقطاب الجديدة، والعمل كفريق من أجل تعزيز القدرة الإنتاجية في اقتصاد ما، لا يقل أهمية عن ضمان استمرار قدرته الشرائية. وكمثال على هذا التصور تجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقات التجارية الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة قد وصلت إلى 35 مليار دولار بنهاية 2017، وفيما تسهم الاستثمارات الأمريكية المباشرة في توظيف آلاف الموظفين في المملكة، فإن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة توفر وظائف مماثلة، وهذا هو التعاون الذي يوجد توازنا مهما ويجعل كلا الاقتصادين يدعمان بعضه بعضا.
هذا التصور يجعل زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة وهو ولي للعهد تتجاوز الجانب السياسي والأمني، وهي القضايا التي تصدرت لقاءات ولي العهد مع رئيس الولايات المتحدة بالطبع، لكن التأثير العميق في المفاهيم والعلاقات الاقتصادية الجديدة يتطلب تجاوز الأدوار السياسية والعمل مع المؤثرين الاقتصاديين مباشرة، وزيارة مهمة لعديد من الشركات الكبرى في وادي السيليكون ستهيئ المناخ لمناقشة الأسواق الجديدة على منصات الأجهزة المحمولة، وكيف يمكن تسهيل نقل التقنية لمنح هذه الأسواق فرصة التمدد، وبالتالي تعظيم القيمة كلما زادت قدرة هذه الأسواق على تحسين وتسريع التبادل التجاري مع منح الثقة للأطراف كافة، وزيارة أخرى إلى مدينة الصناعات الثقيلة "ديترويت" ستساعد على مناقشة الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي تمت لإنقاذ شركاتها العملاقة من الإفلاس بعد كارثة الأزمة المالية والدور المهم الذي لعبته المملكة في تخفيف ضغوط ارتفاع أسعار النفط وتحمل آثار انخفاضها فيما بعد، وكذلك مناقشة تأثير التطورات التقنية في صناعة السيارات في أسعار النفط في المستقبل، وسيكون العمل مهما مع أقطاب المال في الولايات المتحدة من أجل المشاركة في تنفيذ "رؤية المملكة 2030"، وخططها الرامية إلى استثمار عديد من المواقع الاستراتيجية مثل مشروع نيوم، وزيارة إلى بوسطن، وكذلك لقاؤه رؤساء عدد من الشركات الكبرى، مثل بوينج، وريثيون، ولوكهيد مارتن، وجنرال داينامكس، واستعراضه عددا من المبادرات، كل ذلك سيمكن من مناقشة تأثير تحسن ظروف بيئة الأعمال في المملكة وكيفية التغلب على التحديات التي تتمثل في الشفافية وفي قوانين وأنظمة الأعمال وتحسين حماية حقوق الملكية الفكرية، ما يعزز الثقة بالسوق السعودية اليوم أكثر من أي وقت مضى.

إنشرها