Author

كيف نوجه بوصلة التعليم؟

|

عقدت الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية مؤتمرها الـ 18 خلال الفترة من 26 إلى 27/6/1439هـ في رحاب جامعة الملك سعود، حيث ركز المؤتمر في الأبحاث، وحلقات النقاش على التعليم ما بعد الثانوي، في هويته ومتطلبات التنمية، وبلغت جلسات المؤتمر خمس جلسات قدم فيها 16 بحثا و76 ملصقا، إضافة إلى ثلاث حلقات نقاش شارك فيها أساتذة جامعة، ومن القطاع الخاص، ومن مجلس الشورى، إضافة إلى وزارة التعليم، ما أثرى حلقات النقاش، وأعطى كل طرف الفرصة لتقديم رؤيته في كيفية الانتقال بالجامعات إلى مواءمة برامجها بما يتناسب مع المرحلة المقبلة، وبما يخدم برنامج التحول الوطني، "ورؤية 2030".
حسب "الرؤية"، ووفق نظام الجامعات الجديد يفترض أن تتمكن الجامعات من التحول إلى جامعات مستقلة، في ميزانياتها، وإدارة فعالياتها، بما يحررها من البيروقراطية الحكومية، إلا أن هذا يتطلب توفير مواردها الذاتية من خلال الأبحاث، والاختراعات، والمنتجات الأخرى، مع أن الدعم الحكومي سيكون مقيدا بتحقيق الجامعة وبرامجها للاعتماد من هيئات الاعتماد الداخلية والخارجية، كما أن الأساتذة يخضعون للعقود السنوية لتحفيزهم على السعي الحثيث للحصول على بحوث مدعومة من القطاع الخاص، وقد لمست مثل هذا التوجه في جامعة أوكلاند في نيوزيلندا عام ١٤٢٦هـ عندما كلفت من قبل وزارة التعليم العالي لإجراء دراسة عليها لمعرفة الأسباب التي جعلتها تحوز مرتبة متقدمة حسب تصنيف Times higher world university ranking عام 2005، إذ في جامعة أوكلاند على عضو هيئة التدريس الحصول على دعم بحثي، ولو مضت ثلاث سنوات، ولم يحصل على شيء يتم الاستغناء عن خدماته.
ما من شك أن مثل هذا التوجه يقلل من حالة الاسترخاء التي تعيشها الجامعات في حال اعتمادها على الحكومة في ميزانيتها، إلا أن هذا الأمر يتطلب تغييرا في الثقافة الاجتماعية لإحداث قناعة لدى الشركات، ورجال الأعمال، وذوي رؤوس الأموال بأهمية البحث العلمي، ومردوده على الاقتصاد، وعلى النشاط الذي يمارسه من يدعم البحث العلمي، كما أن معنى حقيقيا، وممارسة سليمة للأوقاف سيمثلان مصدرا ماديا جيدا للجامعات.
المنتجات الفكرية، وبرامج معالجة المشكلات التنموية والاجتماعية، وما يطرأ من تغيرات غير حميدة، ومضرة بالمجتمع تمثل مجالا يقلل من الهدر في الوقت، وضعف الإنتاجية الناجم عن الضغوط النفسية لبيئة العمل، أو للبيئة العامة. في وضع المملكة، حيث يوجد ما يزيد على عشرة ملايين وافد يعملون في القطاع الخاص يقابله ثلاثة ملايين سعودي، يمثل هذا الوضع تحديا لمؤسسات التعليم بعد الثانوي لتحويل القطاع الخاص موظفا رئيسا للسعوديين بدل الوافدين، ما يتطلب معرفة طبيعة، ومواصفات المخرج الذي يحتاج إليه القطاع الخاص.
البطالة كما ذكر في المؤتمر بلغت 12.8 في المائة‏، وهذا يمثل تحديا آخر يستوجب استحداث برامج تأهيل، وإعادة تأهيل لمن يحملون مؤهلات لكنهم لا يزالون في عداد العاطلين، ولا يتوقع من الجامعات، وغيرها من جهات الإعداد القدرة على ذلك ما لم تتوافر المعلومات الدقيقة، فمهن مثل هندسة السيارات، والتلفزيونات والراديو وغيرها من البرامج التي تقدمها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وتخرج فيها عشرات الآلاف يستوجب الأمر معرفة هل يعملون؟ وأين يعملون؟ وهل يعملون في المجالات التي تخصصوا فيها، وتدربوا عليها؟ وهذا ما حرصت على معرفته من محافظ المؤسسة في حلقة نقاش التعليم التقني الهوية ومتطلبات التنمية، لكن لم أحصل على إجابة بشأنه.
لا نتوقع أن تكون الفترة الانتقالية للجامعات من وضعها الحالي إلى وضع الاستقلالية قصيرة، وعلينا الأخذ في الاعتبار جميع الاحتياطات وطرح مزيد من الأسئلة لنجعل التحول يتحقق بأقل المشكلات، والخسائر. وإذا كانت صناعة السيارات، والطاقة المتجددة، والصناعات العسكرية تمثل احتياجات مستقبلية فهذا يستوجب تهيئة البيئة الاجتماعية، والنفسية، وتوفير احتياجات البرامج التي تستحدثها مؤسسات التعليم بعد الثانوي.
سؤال ألح علي كثيرا: كيف ستنظم الجامعات، ومؤسسات التعليم بعد الثانوي نفسها حسب التوجه الجديد؟ والإجابة تعني ضرورة إعادة التأهيل الأكاديمي، والإداري، والبيئة التعليمية لتناسب أوضاعها أدوارها المستقبلية، ولتحديد وجهة بوصلة التعليم لابد من وعي، واستبصار بالتحولات العالمية المتسارعة على الصعد كافة، وإدراك أننا لسنا في جزيرة معزولة عن العالم، ولن نكون، إضافة إلى الموازنة بين الأخذ بالجديد، والمحافظة على هوية المجتمع التي في حال تشوهها لن يكون لنا وزن يذكر، مهما بلغنا من تقدم مادي. المؤتمرات، وحلقات النقاش، والتفكير الحر، والدراسات، والشفافية بشأن التعليم العالي والعام خطوات لا بد منها لتحديد اتجاه البوصلة.

إنشرها