Author

الزي الوطني .. وترسيخ الهوية

|
خلال الأسبوع الماضي أصدر الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة توجيها حازما إلى جامعة الملك عبد العزيز في جدة بضرورة إلزام الطلاب بالزي الوطني ومحاسبة من يخالف ذلك. والأمير خالد حين أصدر هذا الأمر ليس بصفته حاكما إداريا لمنطقة مكة المكرمة فقط، بل لكونه رجل دولة استثنائيا ومسؤولا وطنيا رفيعا يتجاوز حدود الزمان والمكان ويستشعر أهمية "الهوية الوطنية" وترسيخها لهذا الوطن العظيم الذي توحد من الشتات وحارب أبناؤه جيلا بعد جيل من أجل هذه المكانة الرفيعة التي نعيشها اليوم ونفاخر بها بين الشعوب، وهي ليست هوية مستوردة ولا مصطنعة بل متجذرة في هذه الأرض حيث قيم الدين والعروبة ومبادئ أبناء الجزيرة التي عرفوا بها عبر التاريخ. لقد درست في جامعة الملك عبد العزيز قبل سنوات وما زلت أذكر أن محاربة "الهوية الوطنية" والترويج لهويات أخرى شرقية وغربية عمل يتبناه أساتذة وموظفون، ويسخرون له كل ما يمكن تسخيره، وهؤلاء غالبا هم أصحاب التيارات الحزبية والمذهبية الذين لا يهمهم سوى مصالحهم وانتماءاتهم الضيقة. ويساندهم في ذلك بعض الوافدين الذين لا يختلفون عنهم في الفكر والتوجهات، ولقد طال هذا التوجه المناهض لـ "الهوية الوطنية" كل شيء بدءا من الزي الوطني ومرورا بالموروث الفكري والتراثي حتى باتت "الهوية الوطنية" غريبة في وسط جامعة وطنية حكومية. فكيف نلوم الطلبة والطالبات وهم يعيشون هذا الترسيخ الممنهج لتمييع هويتنا؟ أما إذا خرجنا من أسوار الجامعة فقد تمدد هذا الترسيخ الخفي لمقاومة الهوية الوطنية في غفلة من الزمن إلى إدارات حكومية ومهرجانات ثقافية وبرامج فكرية ومؤسسات إعلامية. وقد شاهدت بنفسي موظفين في إدارات حكومية في منطقة مكة المكرمة يرتدون أزياء غريبة، وعمائم مستوردة نسبت كذبا إلى التراث الوطني ضمن الحملات الممنهجة. ولا أعرف كيف "يستعيب" موظف من الزي الوطني السعودي وهو يعمل في مؤسسة من مؤسسات الدولة وينفذ تعليماتها؟ وامتد هذا العبث بكل أسف إلى داخل بعض المؤسسات فقد شاهدت ما يسمى "العمد" وهم يرتدون أزياء غريبة وعمائم آسيوية مقلدة وما زلت مندهشا من هذا التقليد الذي يريد أن يفرض نفسه ليكون بديلا للزي الوطني. أما المهرجانات والملتقيات التراثية فحكاية أخرى من العبث الممنهج فكل شيء فيها غريب ولا يمت لأبناء هذه الوطن بصلة فالأزياء غريبة، واللهجات مكسرة وركيكة، والمأكولات شرقية، والفنون إفريقية، بل حتى الركن الرسمي لمنطقة مكة المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة لم يسلم من عبث العابثين وضموا له كثيرا من الفعاليات التي تنسب زورا للتراث الوطني. الوطن وتراثه أسمى وأوضح من هذا العبث الخفي. لقد عرفنا الأمير خالد الفيصل نحن الشباب ملهما لنا في حبه لوطنه، وإخلاصه لقيادته، وسعيه الحثيث لقيادة كل المبادرات الجبارة التي تضيف للزمان والمكان، كما عرفناه محاربا شرسا للمنهج الخفي الذي تسيد التعليم زمنا وكان لجهوده تأثيرها الملموس في تراجع نشاط الحركيين والحزبيين وغيرهم. على العموم إن الأمر الآن أكبر من إلزام طلاب وطالبات بالزي الوطني، بل يحتاج إلى وقفة حازمة لمحاربة هذا العبث المستشري الذي يستهدف الوطن العظيم برجاله وإرثه الحضاري العملاق. فمن يبادر؟
إنشرها