Author

الخصخصة والتحول الاستراتيجي

|

تمضي المملكة قدما في عملية خصخصة قطاعي المياه والكهرباء، وتجري الأمور وفق أسس عملية وواقعية، تحاكي مخططات التنمية في البلاد، ضمن "رؤية المملكة 2030". هذان القطاعان يشكلان (كما هو معروف) محاور رئيسة على صعيد الاقتصاد والمجتمع. وفي بلدان متقدمة تركت الحكومات مسؤولية هذين القطاعين إلى القطاع الخاص، ومضت أبعد من ذلك بخصخصة حتى خدمات المخالفات المرورية، وبعض خدمات المطافئ والطوارئ والبريد وغير ذلك من الخدمات المتصلة مباشرة بالمواطن. بالطبع يجري كل هذا في ظل رقابة حكومية صارمة، تأخذ في الاعتبار مصلحة المواطن أولا، وجودة الخدمات التي يحصل عليها، والتكاليف التي يدفعها للحصول عليها.
خطط السعودية في هذا المجال تسير بصورة جيدة ومحكمة. وفق تحليل "مجموعة أوكسفورد OBG" البريطانية. وهذه الخطط لا تختص فقط بعملية الخصخصة، بل تأخذ في الاعتبار أولا جودة الخدمات مع التزايد السريع في عدد السكان، وبالتالي ارتفاع الطلب على هذا النوع من الخدمات. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمملكة، وضعت مصادر الطاقة المتجددة ضمن أولوياتها أيضا، دون أن ننسى أنها تتمتع بقدرات كبيرة جدا في هذا المجال، ولا سيما الطاقة الشمسية. وكل ذلك يدخل ضمن عملية تنويع مصادر الطاقة. وأخيرا وضعت السعودية خططا للاعتماد على الغاز بدلا من النفط في الاستهلاك المحلي، وتحويل ما يتوافر من نفط للتصدير إلى الخارج. وهذه أيضا خطوة لافتة على صعيد قطاع الطاقة ككل.
وفي الخصخصة هناك كثير من المزايا، في مقدمتها أن الخدمات تكون عادة أكثر احترافية، والجهات العاملة في هذا المجال، يتعين عليها تقديم التعويضات للمستهلك عندما يحدث خطأ ما من جانبها. وفي حالة وجود أكثر من شركة في مجال واحد، توفر التنافسية عروضا أفضل للمستهلك. وهذا يحدث في البلدان الغربية على وجه الخصوص في أغلبية القطاعات الخدمية، أي أن الخصخصة المدروسة توفر على الحكومة كثيرا من الأعباء، وتعطي الجهات الأكثر احترافية المجال لتقوم بدورها في ظل رقابة صارمة لحماية المستهلك. في البلدان المتقدمة هذه الرقابة لا تقتصر على الحكومة، بل تشمل أيضا جمعيات المجتمع المدني، الذي يساعد الحكومة نفسها في هذا المجال.
اللافت في تقرير تحليل "مجموعة أوكسفورد OBG" البريطانية، إشارته إلى الحراك المزدهر للصناديق الاستثمارية، والدور الذي تقوم به. فهذه الصناديق تدخل في كل شيء تقريبا، من الطاقة إلى الترفيه والسياحة مرورا بالطبع بالتكنولوجيا والإعلام والصناعة وغيرها. وكل هذا يرفد "رؤية المملكة 2030" بمزيد من الآليات للوصول إلى الأهداف. ففي العامين الماضيين، تم تنفيذ سلسلة من المشاريع في السعودية ضمن المدد الزمنية الموضوعة لها، وبعض هذه المشاريع نفذ حتى قبل مواعيده. ومن هنا، فإننا سنرى قريبا الآثار المهمة لخصخصة مشاريع المياه والكهرباء والطاقة، بل هناك مجالات لخصخصة قطاعات حيوية أخرى، توفر مزيدا من الأعباء عن كاهل الدولة، وتقدم مزيدا من الخدمات عالية الجودة.
ستكون هنا تحولات آنية وتحولات استراتيجية على الساحة السعودية في كل المجالات. واللافت أن نتائجها بدأت تظهر بوضوح، ما يعزز التحرك إلى الأمام. إن المملكة تبني اقتصادا جديدا، ولذلك سنرى فيها كثيرا من المشاريع الجديدة، والكثير الكثير من المعايير التي تتوافق مع الاقتصاد الجديد.

إنشرها