Author

نظام الجامعات الجديد ما بين الانتظار الطويل والحاجة الماسة

|

يحظى نظام الجامعات المنتظر باهتمام الأكاديميين، ويحتل جزءا كبيرا من أحاديثهم داخل أروقة الجامعات وخارجها، بل في مناسباتهم الاجتماعية وأحاديث سمرهم، خاصة أنه طال انتظاره لسنوات طويلة، مع ازدياد الحاجة لتحديث النظام العتيق الذي يكبل الجامعات ويحد من قدراتها في استقطاب الكفاءات، وتنمية مواردها، بل أسهم في ترهلها بوصفها مؤسسات عامة تسير عملية صنع القرار عبر دهاليز طويلة وبيروقراطية محبطة لا يتمخض عنها، بالضرورة، القرار الرشيد.
ولدت فكرة هذا المقال خلال اطلاعي على ورقة عمل مختصرة ورائعة توضح ملامح النظام الجديد، قام بإعدادها الدكتور محمد الصالح، الذي شارك في إعداد النظام منذ بداياته ثم تعديله ليتناسب مع المتغيرات الجديدة وخاصة "رؤية 2030". ومما سيعجل من اعتماد نظام الجامعات الجديد هو، رؤية الوزير الذي كان يدعو لاستقلالية الجامعات قبل سنوات من تعيينه وزيرا للتعليم، إذ كان لي شرف الاشتراك معه في أحد البرامج المتلفزة في إحدى القنوات الفضائية.
ولا يخفى على أحد طبيعة الأنظمة المعقدة والإجراءات البيروقراطية الحالية التي تعيق العمل في الجامعات عند الرغبة في بناء شراكات دولية أو استقطاب كفاءات مميزة للعمل في الجامعات، أو المشاركة في برامجها البحثية، وكذلك الإنفاق على البحث العلمي، وفق الإجراءات المكبلة، علاوة على غياب المعايير الموحدة لاختيار القيادات الأكاديمية، ولا يقل عن ذلك أهمية، العراقيل أمام تنمية الموارد الذاتية للجامعات.
ولعل من أبرز ملامح النظام الجديد، ما يلي:
(1) تصنيف الجامعات إلى بحثية، وتعليمية، وتطبيقية، ما سيحقق متطلبات سوق العمل، ويحد من التسابق والتقليد، ومن ثم صناعة نسخ متشابهة من الجامعات.
(2) إيجاد أنظمة ومعايير لاختيار القيادات الأكاديمية الفاعلة بناء على الكفاءة والخبرة والرؤية الاستراتيجية.
(3) توفير المرونة المناسبة في اختيار التخصصات والبرامج الأكاديمية المناسبة لكل جامعة.
(4) توسيع صلاحيات مجالس الجامعات، ما يدعم العمل وزيادة الإنتاجية ويقلص البيروقراطية.
(5) المرونة في القرارات المالية والإدارية والتوظيف، بعيدا عن البيروقراطية ومركزية القرارات.
(6) التوسع في إيجاد مصادر تمويل ذاتية.
(7) المرونة في عقد المؤتمرات والندوات.
ومن المؤمل مع تطبيق هذا النظام أن تكون إنتاجية عضو هيئة التدريس هي الرهان الأكثر على تميزه وبقائه في أروقة الجامعات. وسيحدث هذا النظام منافسة كبيرة بين الجامعات، ما سيؤدي إلى تطوير كل جامعة في ظل سعيها أن تكون دائما هي الأفضل. ولا بد أن يؤدي تطبيق النظام الجديد إلى ترشيد الإنفاق وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة.
ولنجاح تطبيق النظام الجديد، فمن الضروري أن تبدأ كل جامعة في إعداد خطة مرحلية لتطبيق النظام الجديد على مراحل متعددة بما لا يتجاوز خمس سنوات من تاريخ اعتماده. وهناك حاجة ماسة لإعادة هيكلة الجامعات والتأكد من جاهزيتها للعمل باستقلالية. كذلك ينبغي التنسيق الجاد بين الجامعات والجهات المسؤولة عن التوظيف لتحديد متطلبات سوق العمل، وإلا فإن التسابق بين الجامعات في تبني برامج معينة قد يؤدي إلى إغراق السوق بالخريجين، ومن ثم رفع معدلات البطالة. ومن الأهمية بمكان أن تقوم الوزارات، خاصة الصحة والبلديات والتعليم والعمل، بطرح مشروعاتها البحثية للمنافسة أمام الجامعات بشفافية، أسوة بما يحدث في أمريكا وغيرها من الدول. وأرجو أن يشتمل النظام الجديد على الأطر العامة لضمان النزاهة في الممارسات الأكاديمية، خاصة في البحث العلمي.
وأخيرا، آمل من وزارة التعليم أن تنهي الانتظار وتسعى لاعتماد النظام، خشية أن تضطر الوزارة إلى مراجعته من جديد وتحديثه ليواكب التغيرات السريعة في مجال التعليم الجامعي والبحث العلمي.

إنشرها