Author

الاحتيال بعرض لن تشتريه

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

في مقال سابق تحدثت عن جريمة الاحتيال الاستثماري، ولم تكن مناقشتي تلك من الجانب القانوني، بل كيف نقع فريسة سهلة للاحتيال رغم وضوح صورته؟، واليوم أقدم نموذجا آخر من نماذج الاحتيال، وهو من أكثر الأساليب شهرة وممارسة، ورغم ذلك نتورط فيه بسهولة. الاحتيال بعرض لن تشتريه يبدأ دائما من الاتصالات، فنحن دائما نسجل أرقامنا الشخصية وبالاسم الحقيقي لدى الشركات المختلفة، إما لمتابعة العروض أو للفوز بالنقاط، وهذا يجعل الرقم الخاص عرضة للمتاجرة به لشركات تعمل في الاحتيال، والفرق الأساس بين الاحتيال الاستثماري كما شرحته في المقال السابق وبين هذا النموذج من الاحتيال، أن المؤسسة التي تتعامل معها الآن مؤسسة مسجلة رسميا ولها مكاتب ومواقع تجارية، ومع ذلك فهي واجهة للخداع ليس أكثر.
عادة تبدأ الأمور باتصال من المؤسسة مع تهنئة لك شخصيا وباسمك واختيارك ضمن فئة محدودة من الناس للحصول على عرض مغر ضمن مشروع ضخم، عادة برج سكني أو فندقي في مكة أو المدينة أو جدة أو حتى دبي، أو غيرها من المدن السياحية الكبرى التي تقوم عادة بزيارتها، والملاحظة الأولى أن العرض لن يكون تحت أي ظرف في المدينة التي تعيش فيها، تذكر هذا جيدا. سيطلب المتصل منك الحضور في مقر محدد ووقت محدد للاجتماع ومناقشة تفاصيل العرض. ستفكر ثم تفكر ثم تقرر أنك لن تخسر شيئا إذا حضرت، وعند حضورك تجد مؤسسة حقيقية تعمل وهناك غيرك في الانتظار أو أمام مكتب أمامي كأنه التحقيق. الانتظار مهم عندهم، وستجد أمامك كثيرا من الكتيبات عن مشروع ما، وصور عنه في المدخل وقد تجد مبنى مجسما، حسب الموقع الذي سيتم فيه الاجتماع. كل هذا مهم حتى تتأكد أن المؤسسة حقيقية وأن المشروع حقيقي، ثم بعدها تبدأ مراسم الاحتيال.
شخص أنيق مدرب بشكل مذهل على العرض، يقدم لك تفاصيل المشروع ببراعة متناهية، أين يقع؟ كم عدد الأدوار، كم حجم الشقة أو الفلة، كم سعرها، كم نسبة الخصم الأولية؟ وكيف سيتم برمجة الأقساط، كيف تم اختيارك وأن الوقت محدود جدا والأماكن المتبقية قليلة؟. وإذا وصل الموضوع إلى الأقساط تبدو الأمور غير طبيعية، فالقسط لا يتناسب مع مشروع بهذا الحجم، هذه أول نقطة يجب أن تتنبه لها. الإغراء في قيمة القسط، والدفعة المقدمة، وجميعها أقل بكثير من السوق وبشكل لافت. بالطبع لا أنت ولا أحد سيرفض عرضا مثل هذا، خاصة إذا كان يفكر في شراء سكن أو شقة استثمارية في مكة مثلا، وإذا وصلت إلى هذه القناعة تذكر أن هذا هو العرض الذي لن تشتريه، ذلك أن النقاشات ستأخذ مسارا مختلفا تماما وهذه هي الملاحظة الثانية.
فالعرض أصبح الآن هو زيارة الموقع من أجل المعاينة قبل الشروع في البيع، وهذا طبيعي، لكن الأمر غير الطبيعي أن عليك القيام بالزيارة من خلال المؤسسة نفسها، أي لن يتم حجز التذاكر والسكن والرحلة إلا من خلالهم وعليك أن تدفع فورا جميع الأتعاب عن هذه الزيارة لك ولشخص معك على الأقل، وتبدأ الإغراءات تتحول من الاستثمار والمشروع إلى الرحلة نفسها، وللحق هذا ما ستشتريه فعلا وستدفع في مقابله، هذه هي الملاحظة الثالثة. ثم سيتم الضغط عليك لقبول الرحلة وأنها ضرورية ويمكن حجزها في أي وقت ولك حرية الاختيار، ورغم أنه قد قيل لك في بداية الحديث، إن الأماكن المتبقية محدودة فقد يقال لك الآن، أن تحجز مقعدا وتدفع ثم تختار موعد المعاينة حسب ظروفك ووقتك ولو بعد أشهر، وهذه هي الملاحظة الرابعة. ستكتشف ببساطة أن قرارك بالمشاركة في البرنامج أو المشروع المطروح ليس مهما لهم بقدر أهمية دفع تكلفة الرحلة، وكي تختبر النيات قدم مقترحا بأنك تريد الآن توقيع العقود وأنت موافق على العرض ولا داعي للسفر ستكتشف أن شرط العرض هو التوقيع في مقر المشروع، وهكذا هي الحال فالعرض الحقيقي هو للرحلة وليس للمشروع، ولأن الرحلة ليست هدفا عندك فلن تناقش تفاصيلها بحرص ولن توقع أي عقد بشأن تلك التفاصيل وهذا هو الهدف من كل الاحتيال، وبعد دفع المبلغ المستحق عن الرحلة فليس مهما بعدها ذهبت أو لم تذهب وقعت أو لم توقع، لقد تم البيع بالنسبة لهم.
مثل هذا يحدث كثيرا ويمكن أن تكون لاحظت في محل ما هدية ضخمة تحصل عليها فورا عند شرائك غرضا لست بحاجة إليه، وبما أن عينيك على الهدية فستدفع قيمة مبالغ فيها بشكل مذهل. وقد تكتشف فيما بعد أن الهدية كانت مجرد فخ وما ستدفعه هو أكبر من قيمة الهدية والغرض معا، وغالبا ما تقع النساء ضحية هذه العروض. وبمثل هذا قد تأتيك رسالة أو اتصال "خاصة لمن هم في الخارج" على أنه تم اختيارك للفوز بجائزة فورية من أربع جوائز من بينها سيارة أو منزل أو أمر مهم جدا ورحلة بحرية في أوروبا، جميع الهدايا تبدو قيمة جدا، لكن المطلوب هو إرسال 25 دولارا مع الكوبون من أجل إنهاء الإجراءات الإدارية، وفعلا المبلغ الزهيد في مقابل الهدايا الضخمة من مؤسسة مسجلة رسميا، وإذا جاء الرد بالشكر مع الفوز بهدية الرحلة البحرية التي إن وافقت عليها فستدفع للمؤسسة قيمة السفر والسكن التي هي أكبر بكثير من قيمة الهدية، وستكتشف أنك أمام خيارات القبول برحلة سياحية لم تخطط لها أو أن تقرر خسارة 25 دولارا ودائما هو الخيار الأفضل.

إنشرها