الناس

الموسيقى الكلاسيكية الألمانية تبحث عن مكان في العالم الرقمي

الموسيقى الكلاسيكية الألمانية تبحث عن مكان في العالم الرقمي

أمسكت الثورة الرقمية بتلابيب العالم، حيث تتشكل الحياة الحديثة الآن عن طريق الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت عالية السرعة، ووسائل التواصل الاجتماعي وإرسال المواد الإعلامية بما فيها الحفلات الموسيقية ومقاطع الفيديو على الهواء مباشرة عبر المواقع الإلكترونية.
غير أن روبن تيشياتي الموسيقار البريطاني المولد الذي تولى قيادة "أوركسترا ألمانيا السيمفونية" منذ نحو ستة أشهر إضافة إلى توليه منصب المدير الفني للأوركسترا، يعتقد أن قاعة الحفلات الموسيقية يمكن أن تجد لها مكانا جديدا في العالم الرقمي.
وقال تيشياتي لـ "الألمانية"، "إن عالم الموسيقى تكيف بالفعل مع عصر المالتي ميديا أو الوسائط المتعددة، كما أن هذا العالم يستفيد من التغيرات التي طرأت نتيجة انتشار شبكة الإنترنت وتقنيات المواقع الإلكترونية".
واتخذت الفرق الأوركسترالية مثل "برلين الفيلهارمونية" و"لوس أنجليس الفيلهارمونية" و"ديترويت السيمفونية"، إضافة إلى دور الأوبرا التابعة للدولة في فيينا وبافاريا، خطوات لمواجهة التحديات التي يطرحها العصر الرقمي، ولزيادة عدد الجمهور عن طريق تدشين خدمات فنية جديدة تطلق عبر الفضاء الإلكتروني.
وأضاف تيشياتي "إنني أود أن أبتكر مساحات يستطيع الأشخاص من خلالها العودة إلى الإحساس بالطبيعة من خلال الموسيقى الكلاسيكية".
وأكد تيشياتي أنه لا توجد أماكن كثيرة في العالم يتجمع الناس فيها داخل غرفة، ثم يلتزمون الصمت التام جميعا معا في وقت واحد لكي يستمعوا إلى أحد الإبداعات الفنية التي يمكن أن تترك أثرها فيهم.
وجاء جد تيشياتي الأكبر إلى بريطانيا قادما من إيطاليا ليعمل موسيقيا واستمر في البقاء فيها.
وبدا في الأفق حدوث تغيير بالنسبة إلى مستقبل حفلات الموسيقى الكلاسيكية الذي بدا مظلما، على الأقل في ألمانيا وذلك وفقا لما تقوله رابطة الفرق الأوركسترالية الألمانية، حيث ظهر تغيير في اتجاهات الجمهور يرجع الفضل إليه جزئيا إلى افتتاح سلسلة من قاعات الحفلات الموسيقية الجديدة وتجديد القاعات القائمة.
وأشارت آخر الأرقام التي نشرتها الرابطة إلى حدوث زيادة نسبتها 10 في المائة في عدد حفلات الموسيقى الكلاسيكية التي تمولها الدولة بحيث وصل عددها إلى 13800 حفلة، وذلك خلال الموسم الذي انتهى مع ختام عام 2016، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وساعد وصول تيشياتي إلى منصب مدير أوركسترا ألمانيا السيمفونية في أيلول (سبتمبر) الماضي أيضا على زيادة حجم مبيعات تذاكر دخول حفلات الأوركسترا، وسجل عدد حضور حفلاتها رقما قياسيا بأكثر من 83 ألفا العام الماضي.
ومن المقرر أن يقدم تيشياتي برنامجا يجمع قطعا موسيقية شهيرة من روائع الموسيقى الكلاسيكية لكبار الموسيقيين مثل فاجنر وباخ، مع الموسيقيين الأكثر حداثة مثل يورج فيدمان وأوليفر ميسيان.
وبعد أن قاد تيشياتي ذو الشعر الأشعث الذي يبلغ من العمر 34 عاما فريقا أوركستراليا للمرة الأولى في حياته عندما كان عمره وقتها 15 عاما، سرعان ما أكد مهارته ومقدرته الفنية "كشاب معجزة" في عالم الموسيقى الكلاسيكية.
وقال تيشياتي "إنني لو فكرت منذ 20 عاما أنه سيأتي اليوم الذي أتولى فيه هذا المنصب الجديد لكان هذا التفكير ضربا من الجنون". ومنذ 12 عاما أصبح تيشياتي أصغر موسيقار سنا على الإطلاق يدير أوبرا سكالا الإيطالية الشهيرة.
وتزدان الآن لوحات "أوركسترا ألمانيا السيمفونية" الإعلانية المنتشرة في أنحاء برلين بصور تيشياتي، باعتباره شخصية شهيرة تعبر عن مشهد الموسيقى السائد في العاصمة الألمانية، وعن جيل التغيير الذي ظهر بين مديري الفرق الموسيقية والسيمفونية في دور الأوركسترا الراقية في العاصمة.
وأشار تيشياتي إلى اتجاه التغيير الذي ظهر عبر المشهد الثقافي في برلين، مبينا أن هذا التيار يمثل طاقة أخرى ومجموعة أخرى من الناس الذين وهبوا حياتهم للفن والثقافة.
وإضافة إلى وجود تيشياتي على رأس "أوركسترا ألمانيا السيمفونية"، يستعد المدير الفني كيريل بيترنكو المولود في روسيا الذي يبلغ من العمر 45 عاما، لأن يتولى خلال العام الحالي إدارة فرقة "برلين الفلهارمونية"، وذلك بعد أن انتقل مواطنه فلاديمير جيروفسكي العام الماضي ليصبح مديرا فنيا لأوركسترا راديو برلين السيمفوني.
وأضاف تيشياتي "منصبي جاء في النهاية نتيجة الإخلاص والعمل الجاد الحقيقي حتى لا يكون الحكم علي متعلقا بصغر السن".
وتابع "إنني أشعر بأن الموسيقى تتحدث عندما تعزف بصدق من جانب أي شريحة من البشر وفي أي مكان وفي أي وقت، وأريد أن أكون معبرا عن هذه المقولة".
وجاء تيشياتي إلى برلين بعد أن كان مديرا فنيا "لأوركسترا الحجرة الأسكتلندية".
ولا يزال هذا الفنان يؤدي وظيفتين، فإضافة إلى رئاسة "أوركسترا ألمانيا السيمفونية" يعمل مديرا موسيقيا "لأوبرا فستيفال جليندبورن" التي تنظم كل صيف في بريطانيا.
ويصف تيشياتي الوظيفتين بأنهما متشابهتان، مشيرا إلى أن عالمي الموسيقى في جليندبورن وبرلين يغذي كل منهما الآخر. وقال "إنني لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونهما".
ويستكشف تيشياتي حاليا موسيقيين جددا من بريطانيا وأيضا من الأمريكتين كمصدر لبرامج موسيقية مستقبلية.
وأكد أن تراث أوركسترا ألمانيا السيمفونية من الموسيقى المعاصرة يتسم بالقوة، كما أنه من الطبيعي للغاية البناء عليه، وهناك على الدوام أنواع جديدة من الموسيقى مثيرة للإعجاب وتستحق تقديمها إلى الجمهور.
وهو أيضا لا يخشى الجمهور الراغب في الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية الذي يتسم في الغالب بالاتجاه المحافظ.
وأضاف "إذا ساد الإخلاص أي عمل فسينحاز الجمهور إليك، وما أستطيع قوله في هذا المقام هو أنني هبطت على مكان هنا في برلين، يكون الناس فيه منفتحين حقيقة على إمكانية تعرضهم لتحديات ثقافية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الناس