Author

التحقق .. سحر النجاح الشخصي

|

يقصد بعملية التحقق الإجراء الذي نقوم به للتأكد من حقيقة أمر ما. وكتطبيق مقنن نجد أن ممارسات التحقق موجودة في كثير من المجالات وبأشكال مختلفة. فالشرطة تتحقق جنائيا، والعالِم يتحقق تجريبيا، والباحث الطبي يتحقق إكلينيكيا، والمهندس يتحقق رياضيا، وريادي الأعمال يتحقق من منتجاته تسويقيا. القائمة طويلة والتطبيقات معقدة ومتقدمة، بل إن معظم ما يثيرنا اليوم من حبكات حياتية يقودها غموض يجليه التحقق. المعرفة التي تزداد لدينا بعد إجراء التحقق هي ما يمنحنا السعادة والثقة والارتياح بعد ومضات الاهتمام والجذب والتعلق. المميز في هذا الموضوع أن عملية التحقق تنقل الواقع من الظن إلى التصديق ومن الشك إلى الاعتقاد ومن الادعاء إلى الحقيقة، وبهذا نتعامل مع النتائج بشكل أفضل، وهذا من جوهر ما أكرم الله به الإنسان.
التحقق هو العملية الموضوعية التي تجعلنا نحترم ما نفهم، وهي كذلك المصدر الأهم للقوة التي نتفادى بها مخاطر الظنون والأوهام والعشوائية. التحقق فكرة عقلانية تحسن من جودة حياتنا قبل أن تكون مجرد إجراء روتيني ومتطلبا قياسيا في مجال ما. قصة الفشل التي يروج لها من يحفز للنجاح ما هي إلا وسيلة مباشرة وشجاعة للتحقق من قدراتنا، دائما ما يكون الفشل أقوى تحقق للواقع. وللسبب نفسه، يمتلك المتدرب تحققا أفضل من العاطل، والموظف الخبير أفضل تحققا من بسيط الخبرة. التجارب بكل معانيها ما هي إلا كلمة أخرى لكل تحقق نتمكن من الحصول عليه، ولا تخفى عبارة المخترع الذي يقول: "اليوم أعرف ألف طريقة لا تعمل".
ولكن، كيف يصبح هذا المفهوم المهم مدخلا لتحسين الحياة؟ هناك ثلاثة جوانب رئيسة يمكننا من خلالها أن نعطي هذا المفهوم مزيدا من الاهتمام ونحقق به نتائج أفضل. أولا، المساهمة في تنفيذ إجراءات التحقق أثناء العمل بالطريقة المهنية السليمة. ثانيا، الاهتمام باستخدام نتائج التحقق التي يصل إليها غيرنا. وثالثا، توسيع ممارسات التحقق الشخصية لتصبح جزءا من عاداتنا اليومية.
معظم ما نقوم به قابل للتحقق بشكل ما. وفي كل وظيفة هناك أكثر من طريقة للتحقق من جودة العمل، بل في العادة هناك أكثر من جانب يجب، ويمكن، أن يخضع للتحقق. وكما يمكن توصيف الإجراءات بالفاعلية والكفاءة، يمكن كذلك تحديد كثير من المواصفات المختلفة لما نقوم به ـــ حسب طبيعة العمل ـــ مثل الجودة والمتانة والمرونة والصحة والكمال والترتيب، والقائمة طويلة متنوعة حسب النتيجة التي نود الوصول إليها، سواء كانت محسوسة أو معنوية. لكل توصيف وسمة وخاصية هناك طريقة للتحقق، ولكل صناعة ومجال هناك ممارسات تحققية مشهود لها، سواء كان المجال محاسبة أو هندسة أو طبا. الشاهد أن إتقان الموظف أفضل أساليب التحقق في مجال عمله وممارستها بشكل يومي كفيل بنقل أدائه إلى مستوى مختلف تماما.
نغير من عاداتنا في الأكل والشرب بعد خبر نقرؤه، وقد نتأثر فعليا عندما نقرأ عبارة تقول "تؤكد الأبحاث". ونبتعد ربما عن استخدام بعض المواد الكيماوية بعد تحذير مبني على "نتائج مدروسة". وعندما نبحث في متاجر الإنترنت نقرأ مراجعات المستهلكين السابقين "ونتحقق" من آرائهم قبل اتخاذ قرار الشراء. نسأل الأصدقاء قبل شراء السيارة ونستشير من نثق برأيه قبل شراء المسكن. ولكننا كذلك نفوت فرصة الاستفادة من كثير من نتائج التحقق التي وصل إليها الآخرون بالاعتماد على رسائل دعائية أو توصيات مضللة وتجاهل الطريقة الأسلم للوصول إلى التحقق. في كل مجال هناك جهود ونتائج معتبرة وموثقة يمكن الاستفادة منها، المهم أن نتعرف على مصادر التحقق الموثوقة ونحسن استحضارها عند الاحتياج إليها.
في كثير من الأحيان نجد أننا نتحقق بشكل جيد من الخطوات التي نقدم عليها. ولكننا كذلك نسأل أحيانا الشخص الخطأ أو السؤال الخطأ، وكثيرا ما نطلق الأحكام بدون أن نتحقق منها، وأكثر من ذلك حين نحاول تنفيذ خططنا وآمالنا دون أن نتحقق من جدواها أو من قدرتنا على تنفيذها. وهنا في الحقيقة مكمن السحر ومربط النجاح، فالقدرة على ربط تجاربنا الحياتية بالتأكد من جدواها وفاعليتها وقدرتنا الشخصية على الاستفادة منها يجعلنا نوثق الرابط بين المراد والنتيجة. وهذا لا يحصل إلا بالعلاقات الموضوعية والمعرفة المؤكدة التي نستطيع الوصول إليها نتيجةً للتحقق. أي خطوات نخطوها دون اعتبار لما يمكن التحقق منه هي إبحار في بحر بلا إرشاد وخوض في احتمالات غير مدروسة. عندها تصبح الحياة مثل أي رحلة بلا تخطيط، مجرد عبور بلا نتائج.

إنشرها