Author

تصحيح أوضاع الشيكات لخدمة الاقتصاد

|

في تحليل مقارن لوحدة التقارير في "الاقتصادية"، يظهر كانون الثاني (يناير) لعام 2018 متميزا بطريقة تستحق الدراسة، فمقارنة بين كانون الثاني (يناير) 2018 وكانون الثاني (يناير) 2017، فإن عدد وقيمة الشيكات المحررة في السعودية يتناقصان. هذه الملاحظة نفسها ظهرت في المقارنة بين كانون الثاني (يناير) 2018 والشهر الذي سبقه، أي كانون الأول (ديسمبر) 2017، والظاهرة هي نفسها تناقص عدد الشيكات وقيمتها. حتى مقارنة بين بداية عام 2017 ونهايته، فإن الظاهرة نفسها تتكرر، الأعداد تتناقص والقيم كذلك. وبالأرقام فقط، ظهر عدد الشيكات على التوالي في كانون الثاني (يناير) 2017 بنحو 455 ألف شيك (بقيمة 47 مليار ريال) وفي كانون الأول (ديسمبر) من عام 2017 نقص عدد الشيكات إلى 398 ألف شيك (بقيمة 42 مليارا تقريبا) ثم في كانون الثاني (يناير) 2018 بلغ عددها 364 ألف شيك (بقيمة 40 مليارا تقريبا) مسجلة تراجعا سنويا نسبته 20 في المائة تقريبا. وقبل الذهاب بعيدا في مناقشة هذه الظاهرة، فقد كان تحليل "الاقتصادية" عميقا إذا تم تقسيم الشيكات إلى قسمين "أفراد وشركات" و"شيكات بين المصارف"، وتشكل الأولى نحو 89 في المائة من مجموع عدد الشيكات المحررة، كما شكلت نحو 72 في المائة من قيمة الشيكات المحررة. في حين شكلت الثانية نحو 11 في المائة من مجموع عددها، و28 في المائة من مجموع قيمتها، وقد جاء الانخفاض الرئيس في عدد وقيمة الشيكات في جانب شيكات الأفراد والشركات، بينما انخفضت قيمة الشيكات بين المصارف بشكل لا يمثل أهمية نسبية.
من خلال هذا العرض وفهم تقسيم الشيكات إلى أفراد وشركات وقسم المصارف، ندرك هنا أن التراجع في عدد وقيمة الشيكات عند الأفراد والشركات قد يكون بسبب تطبيق الجهات المختصة تفعيل نظام الأوراق التجارية (المادة 118)، فما صدر بها الشأن من مجلس الوزراء يؤكد أن على الجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية، العمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات، بخاصة إيقاع عقوبة السجن، والتشهير في الصحف اليومية. ومع تطوير نظام قضاء التنفيذ ولائحته التنفيذية، الذي يعد الأوراق التجارية، ومن بينها الشيك من السندات التنفيذية، جعل من كل هذه الإجراءات رافعة قوية لأهلية الشيك كورقة إثبات مديونية واجبة التنفيذ، خاصة خلال عام 2017 الذي تم فيه تطبيق قوي لكل هذه الإجراءات. ولهذا ظهر التراجع واضحا في عدد الشيكات، وبالتالي قيمتها. ويمكن القول إن التراجع في أعداد الشيكات، بشكل عام، ليس مرده تراجعا في الحركة الاقتصادية في المملكة، بل هو انعكاس للوعي الذي بدأ يظهر على الساحة التجارية نحو أهمية الشيكات وخطورتها، والدليل على ذلك أن عدد وقيمة الشيكات بين المصارف لم يتأثرا بشكل جوهري، ما يشير إلى أن تراجع الشيكات عند الأفراد هو بسبب التنظيم الجديد في تنفيذ الأوراق التجارية، وفعالية وزارة العدل في ذلك. والمتتبع لإعلانات الجهات المختصة بشأن تنفيذ أحكام نظام الأوراق التجارية، وتجريم كل من أصدر شيكا بلا رصيد وفي جميع الصحف، يدرك جدية المملكة في إصلاح وضع الشيكات وإعادة فعاليتها في الاقتصاد.
هذا المسار التصحيحي ـــ إن جاز التعبير ـــ في عدد الشيكات، هو تصحيح محفز جدا، خاصة للمستثمرين، فالتصحيح نتاج للعودة الطبيعية لوضع الشيك كورقة مالية واجبة التنفيذ، ما يعزز من الحركة التجارية المستقبلية وبشكل كبير، وهذا يخفف من التعاملات بالأوراق النقدية، ولتكلفة تحويل المبالغ بين المصارف، كما يعزز من البيئة الاستثمارية في المملكة، ويعزز من مكانة القضاء في دعم الحراك الاقتصادي في البلاد، وكل هذا سيكون له آثار محمودة جدا، خاصة مع سعي المملكة لجذب الاستثمارات العالمية، وأيضا مع التحولات الرئيسة نحو تفعيل دور القطاع الخاص في الاقتصاد.

إنشرها