Author

الطاقة الذرية.. بناء منظومة اقتصادية عميقة في السعودية

|

لم يعد توجه المملكة نحو مشاريع الطاقة النووية مجرد أحاديث صحافية وتصريحات فقط، فهي اليوم أصبحت واقعا ملموسا وحيويا، وذلك بعد إقرار السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية، التي تدخل هذا المجال بقوة ووضوح رؤية، ذلك أن البحث عن مصادر مستدامة للطاقة حق مشروع لكل دول العالم، وفي هذا الإطار تعمل المملكة جاهدة مع جميع المؤسسات الدولية لمنح كل دول العالم هذا الحق، وفي المقابل ترفع شعار محاربة الاستخدامات غير السلمية للطاقة بكل صورها، وعلى الأخص الطاقة النووية، فمثل هذا الاتجاه غير السلمي يقوض كل المساعي الطيبة والنيات الحسنة والصادقة نحو تلبية الحاجة الماسة إلى الطاقة؛ من أجل الحياة وعمارة الأرض، كما أمر الله - جل وعلا - واستخلف الإنسان على ذلك. ولأن المملكة تحتفظ بحقها في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فهي أيضا تسعى إلى أن تقدم نفسها كنموذج للخير والبناء، وكنموذج أيضا للاستخدام الكفء والعادل للطاقة. فالمملكة في سبيل ذلك تبذل قصارى جهدها لمنع التوسع في الاستخدامات العسكرية للطاقة النووية، وتعمل مع كل المؤسسات الدولية على إيجاد بيئة صحية وإيجابية للاستعمالات المدنية لها، وقد التزمت بالإسهام في إنشاء مركز دولي متخصص في مكافحة الإرهاب النووي في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتبرعت بمبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي للمساهمة فيه.
ونظرا لأن "رؤية المملكة 2030" تتوقع أن يرتفع مستوى الاستهلاك المحلي للطاقة ثلاثة أضعاف بحلول عام (1452هـ / 2030)، ونحتاج إلى مقابلة ذلك بإضافة 9.5 جيجاواط من الطاقة كمرحلة أولى، كما ترسم "الرؤية" توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في اقتصادنا، ومع كل هذا فإن الاحتياج للطاقة النووية أمر ملح اليوم. والمملكة في مسعاها هذا وضعت خططا استراتيجية لإدخال الطاقة النووية السلمية في مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه والمجالات الطبية، مع الالتزام بتحقيق أعلى المعايير في الأمان والشفافية، والتعاون على المستوى الدولي، وتأكيدا على ذلك فقد أقر مجلس الوزراء بالأمس الموافقة على السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية في المملكة، على أن تنحصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية في الأغراض السلمية فقط، وفي حدود الأطر والحقوق التي حدّدتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
هذه السياسة الوطنية ستكون مرتكزا لبناء منظومة اقتصادية عميقة، تهدف إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية من الخامات النووية، فالمملكة تسعى إلى توطين هذه الصناعة، خاصة أن الدراسات تقدر الاحتياطي السعودي من اليورانيوم بنحو 60 ألف طن، بما يعادل 6 في المائة من الاحتياطي العالمي، ولهذا جاءت السياسة الوطنية بإقرار العمل على تحقيق الاستدامة بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية، والهدف هو الوصول بطاقتها النووية إلى 17.6 جيجاواط بحلول عام 2032، وهو ما يعادل نحو 17 مفاعلا، لكن يعلم الجميع أن هذا القطاع يواجه قلقا كبيرا منذ الكوارث النووية التي شهدها العالم، بدءا بتشيرنوبل عام 1986، وانتهاء باليابان عام 2011، ولذلك أقرت السياسة الوطنية الالتزام التام بمبدأ الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية، وتحقيق معايير الأمان النووي والأمن النووي في المرافق النووية والإشعاعية وفق إطار تنظيمي ورقابي مستقل، كما أقرت تطبيق أفضل المعايير والممارسات العالمية لإدارة النفايات المشعة، وقد عملت المملكة على التقدم بطلب للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لإجراء مراجعة للبنية التحتية النووية للمملكة، وهو ما سيسمح للوكالة بتقييم الجهود لإعداد البنية التحتية السعودية لبدء توليد الطاقة النووية للأغراض السلمية.

إنشرها