Author

تعارض الإشراف على تنفيذ الأنظمة

|

مع أي نظام يجب أن يكون هناك جهة مشرفة على تنفيذه، وإذا تعددت الأجهزة، وجب أن يحدد النظام اختصاص كل جهة، وتقتضي قواعد الحوكمة الاقتصادية أن يكون اختصاص تنفيذ النظام واضحا وشفافا، وألا يكون هناك لبس أو تداخل في ذلك وعند حدوثه يجب حل التعارض فورا. وفي المملكة كثير من الأنظمة (قديمة ومحدثة ومستحدثة) ومع كل نظام تظهر لنا مشكلة التعارض بين الأنظمة أو بين الجهات المشرفة على تنفيذ تلك الأنظمة، وإذا تعارضت وتداخلت الأنظمة تداخلت الاختصاصات، وإذا قمنا بتعديل نظام غفلنا عن تعديل باقي الأنظمة. ونظام الشركات الصادر عام 2015 هو مثال جيد لمثل هذه الإشكالية. ففي الماضي لم تكن لدينا مشكلة مع تنفيذ نظام الشركات إذ إن الأنظمة التي تتعامل مع التجارة والتجار معدودة، والصلاحيات تكاد لا تتعارض، وإذا تعارضت فإن اللجان المشتركة قادرة على حل التعارض إذا حصل. لكن اليوم اختلف الحال، فالأنظمة كثيرة والجهات كثيرة، وفي كلمة سابقة لـ"الاقتصادية" تمت الإشارة إلى البيان المشترك بين كل من وزارة التجارة والاستثمار "والسوق المالية"، في مشكلة تنسيق الأعمال في حالات انقضاء الشركات المساهمة "المدرجة وغير المدرجة" وإجراءات التصفية ذات الصلة، بحيث يتم تشكيل فريق مشترك بين وزارة "التجارة والاستثمار" و"هيئة السوق المالية"، للإشراف على إجراءات تصفية الشركات، إذ تشرف الأولى على الشركات غير المدرجة في السوق المالية، بينما الثانية فتتولى الشركات المساهمة المدرجة. ولكن- رغم ذلك- فإننا نقول إن اللجان المشتركة حل مؤقت، ولم تعد قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية، خاصة إذا تمسك كل ذي حق بحقه، وقد تفاقمت المشاكل خاصة في وضع الشركات المساهمة.
الشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية، لديها أكثر من نظام يتعامل معها، أولها وأهمها نظام الشركات الذي تشرف على تنفيذه وزارة التجارة، وثانيها نظام السوق المالية الذي تصدر من خلاله الأسهم إذا بغير تلك الأسهم تسقط من الشركة صفة المساهمة، وبعض هذه الشركات مالية كأن تكون مصارف أو مؤسسات تمويل أو صناديق أو تأمينا، وهذه تشرف عليها مؤسسة النقد بحكم اختصاصها، وفي كل نظام حقوق لكل جهة وحقوق لمجلس إدارة الشركة، وباختصار فإن الشركات تعيش حالة من القلق النظامي الذي يحتاج إلى حل شامل، وكمثال على التعارض أصدرت وزارة التجارة بلغة واضحة تكوين مجلس الإدارة في نظام الشركات 2015، كما حددت اللجان التابعة ومنها لجنة المراجعة أعمالها، ثم جاءت هيئة السوق المالية بصلاحياتها، وأصدرت لائحة الحوكمة التي حددت أعمال مجلس الإدارة وحددت اللجان، ومنها لجنة المراجعة وصلاحياتها وتركيبها، كما أن مؤسسة النقد لديها تعليمات بشأن مجلس الإدارة وتكوينه وأيضا بشأن لجنة المراجعة وأعمالها.
هذا التعارض الواضح جدا ليس في النظام نفسه بقدر ما هو فيمن يشرف على تنفيذه، علمت "الاقتصادية" أن هناك تحركات لوزارة "التجارة والاستثمار"، وذلك لحل مشكلة تضارب الأنظمة وتشتت الإشراف بين الجهات الحكومية التي منها "السوق المالية، وساما" فيما يتعلق بالشركات المساهمة المدرجة، ولقد كان الخبر الذي نشرته "الاقتصادية" واضحا بشأن العزم القوي على إصلاح الموقف القانوني الراهن، حيث طالبت وزارة التجارة والاستثمار الجهتين الإشرافيتين الأخريين، بإدلاء المرئيات حيال نظام الشركات تتضمن قيام جهة واحدة بمهمة الإشراف في جميع الإجراءات، أو رفع الملف إلى الجهات العليا.
لكن كما بدأنا هذه الكلمة نختصرها هنا، بأن مشكلة تعارض الإشراف على تنفيذ الأنظمة التي تتعامل مع موضوع واحد هي مشكلة عميقة في الأنظمة المعمول بها، سواء القديمة أو التي تم أصدارها أخيرا، وهذا يحتاج إلى حل استراتيجي ضمن "رؤية المملكة 2030".

إنشرها