Author

إرهاصات التعاون مع منتجي النفط الصخري

|
مختص في شؤون الطاقة

التقلبات السعرية في أسواق النفط ليست وليدة اللحظة، بل هي صفة دائمة وملازمة لها منذ بداية تداول النفط وستبقى كذلك حتى تداول آخر برميل فيه. سلطت الضوء سابقا في مقال نشر لي يوم الإثنين 22 أيار (مايو) 2017 يحمل اسم "منتجو النفط بين التفاضل والتكامل"، ركزت فيه على طبيعة العلاقة بين منتجي النفط. ذكرت فيه أن العلاقة بينهم ليست كعلاقة الوالد بولده التي تمتاز بالتضحية والعطاء بلا مقابل، بل قائمة على المصالح المشتركة، ومن البدهي أن تبحث كل دولة عن مصلحتها. تتأرجح هذه العلاقة دائما بين التفاضل والتكامل، فتارة يكون التنافس شديدا أو السباق محموما لجذب عملاء جدد والوصول إلى أسواق جديدة. يبرز هذا السلوك عندما ينعم الاقتصاد العالمي بنمو ملحوظ، ما يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على النفط، خصوصا من الدول المستهلكة ذات الثقل الكبير كالصين والهند والولايات المتحدة وغيرها.
يصبح الحال غير الحال عند انكماش الاقتصاد العالمي أو عند تباطؤ نموه ما يصيب الأسواق بتخمة نفطية مزعجة تلقي بأعراضها السلبية على جميع المنتجين، خصوصا الدول التي يشكل النفط جل إيراداتها. هنا تصبح العلاقة تكاملية يتحد فيها جل المنتجين، ويرتفع مستوى الثقة والتضحية بينهم للوصول إلى اتفاق يهدف إلى إنعاش أسواق النفط أو استقرار أسعاره كأقل تقدير. مع بزوغ نجم النفط الصخري الأمريكي خلال السنوات القليلة السابقة وتحول الولايات المتحدة من الاستيراد التام إلى التصدير الجزئي، وبعد الاطلاع على بعض الدراسات المختصة التي تتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2035، أصبح يقينا بما لا يدع مجالا للشك أن النظام العالمي النفطي قد تغيرت ملامحه وأصبح لزاما إضافة النفط الصخري في المعادلة مع "أوبك" والمنتجين المستقلين خارجها. ختمت مقالي بما هو نصه: "وكما ذكرنا سابقا أن العلاقة بين منتجي النفط علاقة متأرجحة تحكمها المصالح، لذلك ليس بالمستبعد، بل من الطبيعي جدا أن تتحول العلاقة بين النفط التقليدي والنفط الصخري إلى علاقة تكاملية!". أجده من الضروري التوضيح للقارئ الكريم، أن الأنظمة والقوانين الأمريكية تنص على منع الاحتكار وتحديد كمية الإنتاج لشركات الإنتاج العاملة على أراضيها، وهذا بلا شك عائق قانوني كبير للتقارب بين "أوبك" والمنتجين المستقلين خارجها من جهة، وبين منتجي النفط الصخري الأمريكي من جهة. لكن السؤال الذي قد يتبادر لذهن القارئ الكريم بعد اجتماع بعض وزراء النفط من أعضاء "أوبك" والمستقلين مع شركات النفط الصخري الأمريكي على هامش مؤتمر صناعة الطاقة في هيوستن، هل يدل ذلك على أن هناك رغبة في تعاون الجميع للتخلص من الفائض النفطي العالمي ولو كان خجولا وبعد حين؟ الحقيقة شخصيا أعتقد أن هناك بالفعل رغبة في التعاون لكن لن تتعدى تشارك الأرقام والدراسات والتوقعات لكمية الإنتاج المتوقع مستقبلا من جميع الأطراف، والطلب العالمي ونموه ووضع خطط لتأمين الإمدادات النفطية المطلوبة مستقبلا، لكن أرى أنه لن يكن هناك أي اتفاق حول تحديد سقف الإنتاج أو التعاون في خفضه في المستقبل القريب على أقل تقدير. قيل: "الأيام حبلى يلدن كل عجيب"، فهل يتم تغيير القوانين والأنظمة الأمريكية مستقبلا للانتقال من التنافس إلى التكامل إذا دعت الحاجة؟ إنا لمن المنتظرين!

إنشرها