الطاقة- المعادن

الرسوم الأمريكية تمهد لارتفاع حاد في أسعار الفولاذ .. 700 دولار للطن بنهاية العام

 الرسوم الأمريكية تمهد لارتفاع حاد في أسعار الفولاذ .. 700 دولار للطن بنهاية العام

بغض النظر عن الأبعاد السياسية الكامنة وراء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم بنسبة 25 في المائة و10 في المائة على التوالي، فإن أغلب الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يكون لهذا القرار تداعيات جمة على الأسعار، داخل الولايات المتحدة وبعض البلدان المصدرة للصلب والألمنيوم.
فالصلب يعد المعدن الرئيس في عديد من العمليات الإنتاجية، خاصة الإنشاء والتعمير، وتشير الأرقام إلى أن الإنتاج العالمي يقدر بـ 1.7 مليار طن متري خلال العام الماضي.
وتحتل الصين المرتبة الأولى في الإنتاج عالميا، إذ تنتج نصف الإنتاج العالمي من الفولاذ، تليها اليابان ثم الاتحاد الأوروبي والهند والولايات المتحدة. ويذهب نصف الإنتاج الدولي من الفولاذ إلى عملية تشييد المباني والبنية التحتية، و16 في المائة لتصنيع المعدات الميكانيكية، فيما تلتهم صناعة السيارات والنقل البحري والسكك الحديدية جزءا كبيرا من الإنتاج العالمي. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنها أكبر مستورد للصلب في العالم، ففي عام 2014 بلغت قيمة وارداتها 38 مليار دولار، انخفضت إلى 22 مليارا قبل عامين، لتعاود الارتفاع العام الماضي إلى 29 مليار دولار، لنحو 36 مليون طن من الفولاذ.
وخلال العام الماضي، كان ما يقارب 17 في المائة من الفولاذ المستورد في الولايات المتحدة يأتي من كندا، تليها البرازيل ثم كوريا الجنوبية، الموردون الرئيسون لها، ومثل السوق الأمريكية نحو 8 في المائة من إجمالي المتداول في سوق الفولاذ العالمي.
وفي هذا السياق، يرى المهندس سيمون هاولي، من شركة الدولية للمعادن، أنه "نتيجة قرار الرئيس الأمريكي، فإن نحو 18 مليون طن من الصلب الذي يصدر للولايات المتحدة سيتم تحويله إلى أسواق أخرى، وهذا يعني أن 4 في المائة من الواردات الأمريكية من الفولاذ ستبحث عن أسواق بديلة عن السوق الأمريكية، وتلك نسبة صغيرة نسبيا ولن تؤثر على أسعار الصلب العالمية بشكل كبير".
ويضيف هاولي، "لهذا بنينا توقعاتنا على أن سعر الفولاذ الأمريكي سيصل إلى 700 دولار للطن بنهاية العام، بزيادة 476 دولارا للطن قبل وصول ترمب للسلطة، وبزيادة مائة دولار عن بداية العام".
لكن البعض يرى أن قرار "ترمب"، الذي استثنى كندا والمكسيك وأستراليا منه، فقد كثيرا من دلالته، فكندا أكبر مصدر للفولاذ والألمنيوم للولايات المتحدة، ويبلغ إنتاجها السنوي 3.2 مليون طن متري من الألمنيوم، وتصدر نحو 90 في المائة من إنتاجها إلى الولايات المتحدة، وخلال العام الماضي صدرت للأسواق الأمريكية ما قيمته 4.3 مليار دولار من الفولاذ، و7.2 مليار دولار من الألمنيوم.
وكان تطبيق "ترمب" قرار زيادة الرسوم الجمركية على كندا كفيلا بإصابتها بخسائر سنوية تقدر بـ 3.2 مليار دولار سنويا، لكنها باتت الآن في منجى عن تلك الخسائر.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور فوستر بريك، أستاذ التجارة الدولية، أن "استثناء كندا والمكسيك، يعني أن ترمب يترك مساحة لإعادة ترتيب الأوراق الاقتصادية ضمن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)". ويطرح استثناء كندا والمكسيك وأستراليا، سؤالا حول اعتبار الصين الخاسر الأكبر من قرار ترمب؟. هنا، يرى ستيف دولن، أستاذ التجارة الدولية في جامعة ويلز، أن "أسعار الفولاذ الصينية لن تتأثر بهذا القرار، فالصين التي تنتج نصف الصلب في العالم، قلصت صادراتها من الفولاذ إلى الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأعلنت هيئة صناعة الفولاذ الصينية أن الرسوم الجمركية الأمريكية لن يكون لها تأثير يذكر عليها، فحاليا لا تصدر بكين إلا 0.1 في المائة من إجمالي إنتاجها للولايات المتحدة، بينما تشير الإحصاءات الأمريكية أن وارداتها من الفولاذ الصيني تمثل 2 في المائة من إجمالي الواردات".
وإذا كانت الصين ليس لديها ما تخسره من قرار "ترمب"، فمن هو إذا الخاسر الأكبر من القرار الأمريكي؟. بكل المعايير يعتبر الحليف الأمريكي على الضفة الأخرى من الأطلسي، ونعني الاتحاد الأوروبي، هو الخاسر الأكبر، فـ 15 في المائة من صادرات الصلب الأوروبية ذهبت إلى الولايات المتحدة العام الماضي.
كما أن هناك مخاوف أوروبية مشروعة بأن البلدان التي اعتادت تصدير الفولاذ للولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية والبرازيل، ستعيد توجيه تجارتها، لتستهدف أسواق الاتحاد الأوروبي، ما يزيد حدة التنافس في الأسواق، بما يحمله ذلك في طياته من إمكانية انهيار أسعار الصلب في أوروبا، وتراجع القدرة التوظيفية للصناعة، وارتفاع معدلات البطالة.
وأوضحت لـ "الاقتصادية"، سو إيدورد، الباحثة الاقتصادية، أنه "لن يكون أمام الاتحاد الأوروبي إلا حماية صناعة الفولاذ لديه عبر مجموعة من إجراءات الحماية التي تدرسها بروكسل حاليا، فالقرار الأمريكي سيدمر الانتعاش المعتدل الذي شهدته صناعة الصلب الأوروبية أخيرا، ولهذا لا بد من إجراءات سريعة ذات طابع حمائي لإنقاذ صناعة الفولاذ في الاتحاد. بمعنى آخر، سترقص أوروبا على أنغام الموسيقى التي عزفها الرئيس ترمب، وسيبدو أن الحمائية الاقتصادية ستصيب الجميع، ولكن بأشكال مختلفة".
ولكن ماذا عن مصدري الفولاذ الآخرين، مثل روسيا التي تحتل المرتبة الخامسة في قائمة مصدري الفولاذ للولايات المتحدة، وكذلك تركيا سادس أكبر المصدرين لأمريكا؟. من الواضح، حتى الآن، أن البلدين لن يتأثرا بالرسوم الجمركية التي فرضها "ترمب".
ولا يختلف المشهد الخاص بالألمنيوم كثيرا عن الفولاذ، فوفقا لوزارة التجارة الأمريكية، بلغ إنتاج الولايات المتحدة 785 ألف طن متري من الألمنيوم السائل العام الماضي، ونظرا لعدم كفاية الإنتاج المحلي، فقد استوردت واشنطن 5 ملايين طن. وتماما كالفولاذ، فإن الصين تحتل المرتبة الأولى عالميا في الإنتاج، ويتجاوز إنتاجها نصف الإنتاج العالمي، وبينما تحتل الصين المرتبة الأولى عالميا، تأتي صناعة الألمنيوم الأمريكية في المرتبة التاسعة.
ويقول لـ "الاقتصادية"، أوين كريس، المحلل المالي في بورصة لندن، "يجب تفهم قرار الرئيس ترمب في ضوء عملية الإغراق التي تعرضت لها السوق الأمريكية العام الماضي، والأشهر الأولى من هذا العام من شركات الألمنيوم العالمية. كان هناك حالة من جنون الاستيراد، وارتفعت شحنات الألمنيوم من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنسبة 24 في المائة منذ بداية العام. وحتى صدور قرار ترمب، فأمريكا تستورد 90 في المائة من الألمنيوم الأساسي الذي تستخدمه شركاتها لصنع منتجات متنوعة".
ويبدو قرار رفع الرسوم الجمركية على واردات أمريكا من الألمنيوم مرتبطا بشكل أو آخر بقضية الأمن القومي الأمريكي، وعلى الرغم من غرابة ذلك التفسير من وجهة نظر البعض، إلا أن الدكتور ريتشارد دينت، أستاذ العلاقات الدولية، يقول "كان في الولايات المتحدة 23 مصنعا للألمنيوم عام 1993 وهناك خمسة فقط حاليا، وواحد فقط من تلك المصانع، وهو الموجود في ولاية كنتاكي، ينتج الألمنيوم عالي النقاء، الذي يستخدم في صناعة المقاتلات، أما باقي احتياجات واشنطن من هذا النوع من الألمنيوم، فيأتي من الصين والامارات".
ومع هذا، فإن أصوات المعترضين على قرار ترمب بشأن رفع التعرفة الجمركية على الألمنيوم، جاءت من قبل الصناعات التي تستخدم الألمنيوم بكثافة، والتي أعربت عن مخاوفها من أن يؤدي قرار الرئيس الأمريكي إلى رفع أسعار جميع السلع التي تستخدم هذا المعدن الحيوي، ما يؤدي إلى تقليص عدد العاملين فيها بنسبة تفوق عدد من يتم توظيفهم في صناعة الألمونيوم.
ولكن، إذا كان ذلك هو المشهد العام الناجم عن رفع الولايات المتحدة للرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم، فهل يعني هذا ارتفاع الأسعار عالميا.
ويقول أوين كريس، "الصين رائدة إنتاج الصلب والألمنيوم في العالم، وقبل عامين كان هناك اندفاع كبير في الإنتاج، بحيث فاق العرض الطلب بدرجة كبيرة، ولكن من المتوقع أن يتراجع الإنتاج مع تحول الاقتصاد الصيني بعيدا عن التصنيع نحو الخدمات، ومع انخفاض الإنتاج والصادرات نتوقع ارتفاع الأسعار عالميا خلال الفترة المقبلة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن