Author

الطاقة النووية .. المصدر المتجدد للطاقة

|
في الأسبوع الماضي نقلت بعض وكالات الأنباء العالمية أخبارا مفادها أن السعودية والولايات المتحدة تعقدان ــ في هذه الأيام ــ اجتماعات مهمة لمناقشة آخر ما توصل إليه الوفدان السعودي والأمريكي حول مشاريع المملكة في مجال الطاقة النووية "النووي السعودي" في المجالات السلمية. ولقد وصفت وكالة بلومبيرج المباحثات السعودية - الأمريكية بأنها ذات أهمية كبرى لأن المباحثات في الجولات الأولى بين وزير الطاقة السعودي خالد الفالح ونظيره وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري ركزت على إمكانية أن تقوم المملكة بتخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم في المفاعلات النووية المقرر شراؤها من تحالف شركات أمريكية على رأسها شركة وستنجهاوس. ويشار إلى أن المادة 123 من القانون النووي الأمريكي تنص على أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تعقد اتفاقا ينص بوضوح على الاستخدام السلمي عند نقل مواد أو تكنولوجيا أو معدات نووية. وتفيد الأخبار بأن المملكة تتجه إلى بناء 16 مفاعلا نوويا خلال السنوات الـ20 القادمة، وتؤكد المملكة أن جميع برامجها النووية تتجه نحو المشاريع السلمية. وما نود أن نشير إليه هو أن العالم يتجه إلى تغيير الطاقة الأحفورية "النفط والغاز الطبيعي والفحم" إلى طاقة نظيفة، وتأتي الطاقة النووية في مقدمة الخيارات المطروحة. ومن جهتها فإن وكالة الطاقة الدولية توصي باستخدام الطاقة النووية في برامج التنمية المستدامة لمزاياها العديدة ومن أهمها نظافتها وصلاحيتها للبيئة ورخصها. إن "رؤية السعودية 2030" تشير إلى أن المملكة في حاجة ــ خلال السنوات العشر القادمة ــ إلى الآلاف من الجيجاواط من الكهرباء، وإلى ملايين الأطنان من المياه الصالحة للشرب، والمملكة بلد واسع الأرجاء تمتد فيه السواحل البحرية الشاسعة شرقا وغربا وعلى أطراف السواحل يمكن بناء ما نشاء من المفاعلات النووية، وسوف يكون للطاقة النووية تأثير إيجابي ومباشر في كثير من القطاعات، خصوصا في مجالات توليد الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى الزراعة والصحة والصناعة والتعليم حتى استخراج النفط والغاز، إضافة إلى توفير الكميات والأنواع المطلوبة من النظائر المشعة المستعملة في تطبيقات عديدة في المملكة. وبالنسبة للكوادر الفنية المتخصصة فإن الجامعات السعودية لم تقصر، حيث وفرت كوادر بشرية مدربة من مهندسين وفيزيائيين وطلبة دراسات عليا وفنيين، كذلك لدينا أقسام للهندسة والفيزياء الذرية في عديد من الجامعات مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهناك عدد كبير من خريجي هذه الأقسام، كما يمكن استحداث كثير من الأقسام والمعاهد ومراكز الأبحاث. إن استعمال التقنية النووية في تحلية المياه في المملكة سيسهم حتما في تقليل تكلفة إنتاج المياه، مقارنة بالأسلوب المعمول به الآن، القائم على استخدام النفط الخام ومشتقاته بمعدلات عالية جدا في إنتاج الطاقة الكهربائية، إضافة إلى الإسهام في تقليل التلوث البيئي. وفي مجال الرد على ما يثار من أن المفاعلات النووية خطر داهم على السلم والأمن في الدول التي تستخدم الطاقة النووية، فإن آخر الدراسات تؤكد أنه لم يعد يترتب على بناء وتشغيل المفاعلات النووية أية انبعاثات لغازات مؤذية تؤثر في البيئة والإنسان، كما يحدث بالنسبة لاستخدام محطات الغاز والبترول والفحم. وثمة دراسة علمية تؤكد أن البشرية كان يمكن أن تتعرض كل عام لانبعاث غازات كربونية يصل حجمها إلى 600 مليون طن تهدد البيئة وتلوث الأجواء الكونية إذا استمرت الدول في تشغيل محطات حرارية تعمل بالغاز والبترول بدلا من المحطات النووية التي باتت تعمل بأمان في عدد كبير من دول العالم. من هذا المنطلق فإن دول العالم المتقدم أخذت تعيد النظر في حساباتها وتتصالح مع الطاقة النووية، وتتجه بقوة إلى علوم الطاقة النووية لأنها باتت تدرك أن الطاقة النووية هي البديل الأفضل للنفط ومشتقاته، وأنها مصدر اقتصادي مهم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، كذلك ستلعب الطاقة النووية دورا كبيرا في تقدم ما يسمى "الطب النووي" وزيادة المحاصيل الزراعية واستخدام الأسمدة الحيوية الآمنة وتخصيب التربة وتطوير سلالات النباتات، إلى غير ذلك من المنافع المؤثرة في اقتصادات الإنسان. إن الدراسات التي أجريت للمقارنة بين تكلفة إنتاج الكهرباء أو المياه المحلاة باستخدام الطاقة النووية والطاقة الأحفورية "بترول، غاز طبيعي، فحم" أثبتت أن الطاقة النووية أصبحت المصدر الأرخص للطاقة في العالم إذا كان سعر برميل البترول 15 دولارا، فما بالك إذا وصل سعر برميل البترول إلى نحو 50 دولارا. عندها سوف تكون الطاقة النووية المصدر الأرخص للطاقة، وبالتالي فإن إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة يكون أقل تكلفة بشكل ملحوظ وستنخفض فواتير المياه والكهرباء، ولذلك يمكننا الجزم بأن استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه وتوليد الكهرباء أصبح ضرورة وطنية وعالمية. أما الميزة التي تسجلها الطاقة النووية حديثا، فإن تكاليف إنشاء المحطات النووية انخفضت بصورة لافتة جعلت الطاقة النووية الأكثر تنافسية والأقل تكلفة في الإنشاء والتشغيل دون الإخلال بعامل الأمان النووي. وواضح من خلال التقارير التي تنشرها مراكز الأبحاث العالمية أن استخدام الطاقة الشمسية على مستوى العالم لم يكن بالمعدلات التي تحققت للطاقة النووية لأسباب موضوعية كثيرة، منها أن هياكل بناء الطاقة الشمسية تحتل مساحات كبيرة، بينما المحطات النووية المولدة للطاقة تشغل مساحات صغيرة نسبيا، كما أن مجالات استخدام الطاقة الشمسية ما زالت محدودة، مقارنة بمجالات استخدام الطاقة النووية التي لامست ــ كما أوضحنا ــ جميع مجالات الحياة الاقتصادية. وعلى كل حال نحمد الله سبحانه وتعالى الذي حبا هذه الأرض "المملكة العربية السعودية" بكل النعم والموارد، فنحن لدينا موارد بشرية على درجة عالية من المهارة والكفاءة ولها تاريخ طويل في بناء الحضارات عربيا وإسلاميا، كذلك لدينا أكبر احتياطي عالمي من النفط، ولدينا أشعة الشمس الملتهبة التي ترسل بريقها على مدار العام، وكذلك لدينا سواحل شاسعة تستوعب ما نشاء من المفاعلات المولدة للطاقة النووية.
إنشرها