FINANCIAL TIMES

تصاعد المناداة بالتخصيص مع تفاقم الاحتيال المصرفي الهندي

تصاعد المناداة بالتخصيص مع تفاقم الاحتيال المصرفي الهندي

في عام 1969، عملت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند آنذاك، على تغيير وجه القطاع المصرفي في البلاد، عندما أممت أكبر 14 مصرفاً تجاريا في البلاد، كانت تملك نحو 70 في المائة من ودائع النظام المالي.
الطنطنة لعملية التأميم كانت على أساس أنها سبيل لحماية المودعين وإرغام المصارف - التي كانت تهتم أساسا باحتياجات البيوت الصناعية الكبرى - على تقديم القروض لشريحة أوسع نطاقا من السكان، بمن فيهم الزراع والتجار والشركات الصغيرة.
لم تنجح سيطرة الدولة على القطاع المصرفي بشكل جيد في الهند. قرارات الإقراض المدفوعة سياسيا، والصعوبات في التوصل إلى اتفاقيات واقعية للتعامل مع الديون عندما تصبح رديئة، إضافة إلى الإدارة البيروقراطية العادية للغاية وحتى المتخوفة، وأنظمة تكنولوجيا المعلومات التي عفا عليها الزمن، كل ذلك تسبب في تحميل المصارف التابعة للدولة عبء ديون معدومة أكبر بكثير من العبء الذي تتحمله المصارف الأخرى المنافسة في القطاع الخاص، ما عمل على عرقلة الآفاق الاقتصادية في الهند.
الآن، نتيجة اكتشاف عملية احتيال تقول الادعاءات إن حجمها يبلغ 1.8 مليار دولار في ثاني أكبر مصرف تابع للدولة في الهند، بنك بنجاب الوطني، يستثير دعوات قوية منظمة لأن تعترف نيودلهي بفشل عملية تأميم السيدة غاندي للمصارف - وتغييرها.
وفقا لبنك بنجاب الوطني، أصدر موظفو أحد فروعه في مومباي ضمانات مصرفية مزورة إلى صاحب محل مجوهرات فاخر هو نيراف مودي، وعمه تاجر الألماس ميهول تشوكسي، للحصول على سُلف من الأموال النقدية من فروع المصارف الهندية الأخرى الموجودة في الخارج - وجميعها مضمونة ظاهريا من قبل بنك بنجاب الوطني.
تم إصدار الضمانات من دون الوثائق المطلوبة أو وضع رهان للتأمين – تعني أن إدارة بنك بنجاب الوطني لم تكن لديها أدنى فكرة عن الالتزامات المتزايدة التي كانت تتم باسمها. كذلك، فإن المصارف التي حصلت على الضمانات، معظمها من مصارف أخرى تابعة للدولة، لم تشك في وجود أي مخالفة.
يقول المحللون إن عملية الاحتيال، التي يقول بنك بنجاب الوطني إنها دامت لعدة سنوات دون التمكن من كشفها، تسلط الضوء على الفساد الذي تعانيه المصارف التابعة للدولة والحاجة إلى إجراء تغيير جذري.
كتب ميجناد ديساي، الخبير الاقتصادي المولود في الهند، في صحيفة إنديان إكسبرس: "إرث إنديرا غاندي سام، ويجب تطهير الاقتصاد الهندي منه. ينبغي على الحكومة خصخصة المصارف بأسرع ما يمكنها ذلك. لقد كانت عبئا على الاقتصاد، وتمثل تكلفة ضخمة على دافعي الضرائب".
رددت هيئات الصناعة - وصناعيون بارزون مثل آدي جودريج - صدى تلك الدعوات.
حث اتحاد الصناعة الهندي نيودلهي على التقليل من ملكيتها للأسهم في مصارف للدولة إلى 33 في المائة فقط، واصفا ذلك بأنه "أمر لا مفر منه" لضمان إدارة أفضل، وقدر أكبر من المساءلة.
يقول اتحاد غرف الصناعة والتجارة الهندية إنه ينبغي على نيودلهي الاحتفاظ بالسيطرة على اثنين أو ثلاثة من المصارف الكبرى، فحسب.
توصل آرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى الحكومة العام الماضي إلى نتيجة مفادها أن "نموذج الإقراض من القطاع العام إلى الخاص قد ثبت أنه سام"، وحث على إجراء عمليات إصلاح رئيسة لتجنب تكرار المشاكل التي حصلت في الماضي.
رافي فينكاتسيان، رئيس مجلس إدارة بنك بارودا المملوك للدولة، اعترف بأن "خصخصة عدد قليل من المصارف الصغيرة ربما تكون هي الحل الوحيد".
كان يرجو الكثيرون بأن تتخذ حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إصلاحات مصرفية أساسية، كجزء من برنامج التحديث الاقتصادي الشامل عقب انتصاره الحاسم في انتخابات عام 2014.
إلى جانب إقرار قانون جديد للإفلاس، لم تُظهِر حكومة مودي رغبة تذكر في إحداث عملية تغيير جذري في القطاع المصرفي، أو ملكيتها له. وحيث إن هناك انتخابات وطنية في العام المقبل، يبدو من غير المرجح تغيير ذلك.
آرون جايتلي، وزير المالية، اعترض على المطالبة بإجراء عملية الخصخصة، قائلا إنها من غير المرجح أن تجد دعما من "الرأي السياسي الهندي".
وقد أصر على أن عملية الاحتيال في بنك بنجاب الوطني تثير تساؤلات ليست حول ملكية المصارف، بل حول التنظيم والإشراف من قبل بنك الاحتياطي الهندي، أي البنك المركزي. مع ذلك، تقع في صميم الأزمة المصرفية التي تواجهها الهند، سيطرة نيودلهي السياسية على ما يجب إدارته ككيانات تجارية، وتضارب المصالح المتأصل في أدوار الدولة المتعددة كصانعة للسياسة الاقتصادية، ومالكة لأكبر المصارف، وكهيئة منظمة للصناعة.
ومع أن نيودلهي الآن في منتصف برنامج لإعادة الرسملة قيمته 32 مليار دولار لتعزيز أوضاع الميزانيات العمومية للمصارف، بعد الموجة الأخيرة من الديون الرديئة، إلا أن عملية الاحتيال في بنك بنجاب الوطني أثارت المخاوف من أن الحكومة ترمي بالمال الجيد خلف المال السيئ، ببساطة.
خصخصة بعض، أو حتى معظم، المصارف التابعة للدولة في الهند ليست حلا بسيطا أو سريعا للمشاكل التي يعانيها القطاع. يقول المحللون إن تركة خمسة عقود من ملكية الدولة – وأثر ذلك على الموظفين والحوافز واتخاذ القرارات – سيستغرق سنوات لتفكيكه. عموماً، قضية بنك بنجاب الوطني أقنعت كثيرا من الهنود بأن الوقت قد حان للتفكير الجاد في عملية التخصيص، إن لم يكن البدء في ذلك، بالفعل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES