Author

لا تناغم أمريكي - أوروبي في عقوبات إيران

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"إيران تشكل الخطر الأكبر طويل الأمد الذي يهدد استقرار المنطقة"
الجنرال جوزيف ڤوتيل - قائد القيادة الوسطى الأمريكية

عبرت الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة ولكن بصوت منخفض، عن أنها غير راضية تماما عن الطريقة التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات على إيران، أو حتى في رفعها وفقا للاتفاق النووي الهش الذي تم مع نظام علي خامنئي. واشنطن تتحدث منذ سنوات عديدة عن موقف أقوى بهذا الخصوص تجاه إيران من أوروبا. وكانت الولايات المتحدة أكثر جرأة حين أعلنت رسميا قبل سنوات أيضا أن إيران محور رئيس من محاور الشر، وأنها لا يمكن أن تعيش (بنظامها الحالي) بصورة طبيعية لا إقليميا ولا دوليا. وأنها اتبعت استراتيجية التدخلات في شؤون بلدان أخرى، ونشرت الظلم والقتل هنا وهناك. بالطبع لا تختلف أوروبا كثيرا عن هذا الطرح، إلا أنها لا تزال مريضة بدائها السابق، وهو أن تبقي على الأبواب مفتوحة حتى مع الأشرار! رغم استحالة تحولهم إلى أخيار، أو حتى أنصاف أخيار.
في عهد الرئيس دونالد ترمب اتسعت الفجوة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في عدة مجالات، من بينها البيئة والتجارة الحرة وحقوق الإنسان وغيرها. وولدت هذه الفجوة جفاء آخر على صعيد التنسيق في فرض العقوبات على إيران أو رفعها. وساعد حماس الشركات الأوروبية بعد توقيع الاتفاق النووي المشار إليه للعودة إلى الساحة الإيرانية، إلى تليين مواقف الحكومات الأوروبية أكثر فأكثر. فعلى سبيل المثال، الموقف الفرنسي الذي كان الأصعب ضد إيران خلال المفاوضات النووية، صار اليوم مرنا ومتفهما، بصرف النظر عن التصريحات الرسمية الفرنسية حول تدخلات إيران الشريرة. كل هذا لا يقدم ولا يؤخر شيئا. بل في أحيان كثيرة، يشكل الهجوم الإعلامي، غطاء لتقارب غير معلن على الأقل بتفاصيله.
لا شك أن الموقف الأمريكي من إيران أكثر حدة، ولكنه في الوقت نفسه أكثر حكمة في قراءة المستقبل. فالنظام الإيراني أثبت في كل المناسبات أنه لا يمكن أن يكون منخرطا في علاقات سياسية واقتصادية طبيعية لا مع دول المنطقة ولا البلدان خارجها. وهو اليوم يصنع الخراب في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان، وما أمكن له من دول الخليج العربية. كما أنه يطور عمليات تمويل الإرهاب، ويؤسس العصابات الإرهابية المسلحة هنا وهناك، ناهيك طبعا عن تجارة المخدرات الهائلة التي يديرها على مستوى العالم. إنه من الأنظمة التي تستحق المقاطعة الكاملة، وليس مجموعة من العقوبات تفرض لفترة وترفع بعدها، ليسيل لعاب الشركات الأوروبية لجني ما أمكن من أموال.
واشنطن تتحرك دائما في هذا المجال، وتطور آليات العقوبات ليس فقط على إيران، ولكن على بلدان أخرى في مقدمتها روسيا وكوريا الشمالية. واللافت أخيرا طرح مشروع مشترك من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، حول فرض أقسى العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني، كما يمهد الطريق لمنع إيران من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وهذه خطوة مهمة بكل المقاييس، لأن العالم يعرف بالحقائق والوثائق، أن الحرس الثوري الإيراني، عصابة إرهابية إجرامية كبرى، وأنه يرتكب الجرائم حتى ضد الإيرانيين في بلادهم، وأنه المشرف الأول على تشكيل المجموعات الإرهابية في أي مكان، وأنه الممول الوحيد أيضا لها. وهذا "الحرس" يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد الوطني الإيراني نفسه! ويدير مؤسسات تدر أموالا قذرة، إلى آخر المعلومات التي تكشفت للجميع.
وإمكانية تعطيل انضمام إيران لمنظمة التجارة العالمية، هي خطوة كبرى بالفعل، لأن كثيرا من العمليات المشينة يمكن أن تتخذ التجارة المشروعة غطاء رهيبا لها. والنظام الإيراني من أكبر الخبراء في هذا المجال. في كل الأحوال هذا المشروع المشترك، فيه كثير من الطروحات المهمة أيضا، بما فيها فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني للأسباب المذكورة سابقا، ولـ"تقديمه الدعم لنظام بشار الأسد المجرم"، وهذا التعبير ورد بالنص على صفحات المشروع. وكما بات معلوما منذ سنوات، نظام علي خامنئي يعمل فعلا على الأرض السورية لتحويلها إلى ولاية إيرانية، ليس فقط عن طريق قتل الشعب السوري، بل من خلال عمليات تهجير طائفية دنيئة. إحلال شيعة من العراق وإيران مكان السنة في مناطق محددة من سورية.
هذا في الواقع تطهير عرقي يعاقب عليه القانون الدولي. ومن هنا يمكن النظر إلى التحركات الأمريكية على صعيد العقوبات ضد إيران، كأداة مهمة وقوية لتحقيق الأهداف، في حين لا يمكن الاستناد إلى الآلية الأوروبية المتبعة لهذه العقوبات. بالطبع لا أحد يتوقع أن يكون هناك تناغم أمريكي- أوروبي حقيقي في هذا المجال، لاسيما في ظل الخلافات الجوهرية الحاصلة على مستوى الرؤى بين الإدارة الأمريكية الحالية، وبين قادة الاتحاد الأوروبي. وستبقى الحالة الأوروبية على ما هي عليه، مليئة بالانتقادات العلنية لإيران، لكنها حارة جدا على صعيد العلاقات الاقتصادية المختلفة.

إنشرها