Author

توقع ميلاد حلف «ناتو» آسيوي

|

على غرار حلف شمال الأطلسي الذي عمل ضد الطموحات السوفياتية في أوروبا خلال الحرب الباردة ويعمل حاليا ضد الطموحات الروسية، وعلى غرار حلف السيتو الذي أسسته الولايات المتحدة عام 1949 وضمت إليه كلا من باكستان واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين ونيوزيلندا وأستراليا وماليزيا وتايلاند بهدف صد أي تمدد شيوعي سوفياتي أو صيني في شرق آسيا، تحاول الولايات المتحدة اليوم على قدم وساق تشكيل تحالف أمنى مشابه في منطقة آسيا / الباسيفيكي من أجل التصدي للطموحات الصينية المتنامية، التي نجد أبرز تجلياتها في إقامة بكين قواعد عسكرية في عدة دول آسيوية وإفريقية مطلة على مياه المحيطين الهندي والهادئ، وتأييدها لنظام بيونجيانج من تحت الستار، وإصرارها على الهيمنة على بحر الصين الجنوبي وما فيه من جزر صغيرة وثروات بحرية ونفطية.
والحقيقة أن فكرة هذا التحالف ليست جديدة، بل تعود إلى زمن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن حينما طرحها وزير خارجية أستراليا تحت اسم "آلية للمشاورات الأمنية الرباعية لمواجهة التهديد الإقليمي الكامن" وأيدها بقوة الجنرال كولن باول وزير الخارجية الأمريكي آنذاك. الاختلاف الوحيد هو في الدول المدعوة للمشاركة. ففي حين أن المشروع كان يفترض أن يضم أستراليا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على اعتبار أن الأولى حليفة دائمة لواشنطن منذ حلف السيتو وحاربت مع الأمريكيين في كل حروبهم في منطقة الهند الصينية، وأن الدولتين الثانية والثالثة لهما مصلحة في تحجيم الصين لأسباب تاريخية واقتصادية، فإن المقترح الجديد الذي تحمل لواءه كانبرا بدلا من واشنطن -مع احتمال أن تكون الثانية هي التي أوحت للأولى بالفكرة وطلبت منها طرحها دفعا للحرج طبقا لبعض المراقبين- يضم في عضويته إضافة إلى أستراليا والولايات المتحدة، كلا من اليابان والهند (وربما كوريا الجنوبية مستقبلا) وكلها دول معنية بتحجيم النمو العسكري والاقتصادي الهائل والمخيف والمتسارع للتنين الصيني.
وتوضيحا للجزئية الأخيرة فإن أستراليا التي تعتبر نفسها دولة آسيوية ومعنية بما يدور فيها بحكم الموقع الجغرافي القريب نسبيا لا تريد أن ترى بكين وقد صارت قوة مهددة للأمن والاستقرار في جوارها بفعل ما بين الأخيرة وخمس من دول تكتل آسيان من خلافات حول حق السيادة على جزر باراسيل وسبراتلي الواقعة في بحر الصين الجنوبي. أما الهند فلها مصلحة أكبر في تحجيم الصعود الصيني بسبب قيام بكين ببناء قواعد عسكرية (في سريلانكا وميانمار وباكستان وجيبوتي) مطلة على مياه المحيط الهندي التي تعتبرها نيودلهي عمقا استراتيجيا لها، هذا ناهيك عما بين البلدين من خلافات حدودية وأحقاد منذ أن شنت الصين حربا خاطفة غادرة على جارتها الهندية في عام 1962 وهزمتها، دعك من دعم بكين العسكري والاقتصادي لجارة الهند اللدودة (باكستان).
وحينما نأتي لذكر اليابان فإننا نجد أن لها مصلحة مماثلة في الانضمام إلى تحالف أمني يواجه الصعود الصيني المتعاظم. فاليابان لا تخشى المنافسة الصينية اقتصاديا فقط وإنما تتوجس أيضا من العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الأحمر الصيني بالقرب من مياهها الإقليمية ومعابر سفنها التجارية خصوصا أن معاهدة سلام دائمة ونهائية لم توقع بين البلدين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بسبب تنازعمها السيادة على جزر سينكاكو/ دياويو، وإن كان البلدان قد طبعا علاقاتهما البينية في عام 1972 ووقعا معاهدة صداقة وتعاون في عام 1978. ثم إن طوكيو تنظر بعين الريبة والشك إلى العلاقات السرية بين بكين ونظام بيونجيانج الستاليني وترى فيها محاولة صينية لتأليب كوريا الشمالية ضد أمنها واستقرارها كي تجبرها على مضاعفة ميزانيتها الدفاعية وبالتالي تحول بينها وبين قفزة تعيد طوكيو لمزاحمة بكين اقتصاديا.
أما الولايات المتحدة التي راوحت علاقاتها مع الصين صعودا وهبوطا منذ دبلوماسية "البينج بونج" التي قادها وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسنجر في السبعينيات فيكفي أن نقول إنها في ظل إدارة رئيسها الحالي دونالد ترمب ترى في الصين خطرا على مصالحها ونفوذها الإقليمي والعالمي وبالتالي فإن سياسة عرقلة طموحاتها أمر له ما يبرره، خصوصا أن بكين تتعاون مع موسكو وطهران وبيونجيانج وإسلام أباد في ملفات عالمية وإقليمية عدة خلافا للرؤى والمصالح الأمريكية ناهيك عن أن الرئيس الصيني أعلن صراحة في العام الماضي نيته تحويل بلاده إلى قطب عالمي مؤثر في العلاقات الدولية.
ولا تخفي واشنطن سعيها إلى تطويق الطموحات الصينية بكل الوسائل، بدليل أن الكونجرس الأمريكي كشف النقاب أخيرا عن وجود مخطط لديه في هذا الاتجاه. فكيف سترد الصين على التحالف الجديد المنتظر؟ هل يا ترى ستكتفي بالاحتجاج مثلما فعلت عام 2007 حينما أجرت الهند مناورات عسكرية في خليج البنغال بمشاركة قوات أمريكية ويابانية وأسترالية؟ أم أنها ستتصرف بطريقة أخرى مثل تشكيل جبهة مضادة من الدول المتضررة من السياسات الأمريكية مثل إيران وباكستان وكوريا الشمالية وروسيا الاتحادية، خصوصا أن لها سابق تجربة في هذا المجال تعود إلى عام 1996 حينما قررت مواجهة التفرد الأمريكي في القرارات الدولية بتشكيل منظمة شنغهاي للتعاون التي حاولت بكين أن تضم إليها أكبر قدر من الدول -كأعضاء دائمين أو كمراقبين- بما فيها وريثة غريمتها السوفياتية السابقة (روسيا الاتحادية)، ومعظم جمهوريات آسيا الوسطى، إضافة إلى أفغانستان والهند لاحقا.

إنشرها