Author

انخفاض تقديرات هيئة الإحصاء للتضخم

|

يصل عدد سكان المملكة حاليا حسب توقعات الهيئة العامة للإحصاء إلى 32.5 مليون نسمة تقريبا، وبلغ متوسط حجم الأسرة 5.7 شخص حسب آخر مسح للإنفاق الأسري في 2013، وعلى هذا الأساس فإن إجمالي عدد الأسر حاليا يصل إلى 5.7 مليون أسرة. من جهة أخرى، بلغ متوسط إنفاق الأسرة 11522 ريالا شهريا في 2013. وعلى افتراض أن متوسط إنفاق الأسر ظل ثابتا، فإن إجمالي إنفاق الأسر أو سكان المملكة على السلع والخدمات يصل حاليا إلى نحو 788 مليار ريال. ويمكن من خلال البيانات الكلية والجزئية تقدير تأثير زيادة أسعار منتجات الطاقة، وأسعار معظم السلع والخدمات الناتج عن فرض ضريبة القيمة المضافة، والرسوم الأخرى على العمالة وقطاع الأعمال.
أصدرت الهيئة العامة للإحصاء نشرة الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة لشهر يناير 2018. وارتفعت تكاليف المعيشة حسب النشرة بنسبتي 3 في المائة، و3.9 في المائة على المستويين السنوي والشهري. ومع أن هذه الزيادة كبيرة مقارنة بمعدلات انكماش الأسعار خلال 2017، إلا أنها تبدو أقل مما كان متوقعا. ويصعب على كثير من الناس قبول هذا المعدل، الذي يبدو منخفضا مقارنة بالصدمات القوية في أسعار الطاقة، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الرسوم على العمالة المقيمة وأسرهم وعلى قطاع الأعمال.
يمكن التحقق من دقة تغير الرقم القياسي لتكاليف المعيشة من خلال تحليل التأثير الكلي في إجمالي استهلاك الأسر، أو من خلال التحليل الجزئي لمكونات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وتركزت صدمات الأسعار الأخيرة على منتجات الطاقة التي تستهلكها الأسر. حيث ارتفعت تكاليف نوعي البنزين بنسبتي 82.7 في المائة، و126.7 في المائة، أو 62، 114 هللة للتر. وتستهلك الأسر النسبة الكبرى من البنزين التي قد تصل إلى نحو ثلاثة أرباع إجمالي استهلاك المملكة. ويقترب استهلاك المملكة السنوي من البنزين من 33 مليار لتر. ولو سلمنا بأن معدل زيادة سعر لتر البنزين المرجح لا يقل عن 70 هللة وأن استهلاك الأسر يزيد قليلا على 24 مليار لتر، فإن الزيادة الأخيرة في الأسعار قد أضافت تكاليف على كل الأسر تصل إلى 17 مليار ريال سنويا. وتمثل هذه الزيادة نحو 2.2 في المائة من إجمالي إنفاق أسر المملكة. أما بالنسبة للكهرباء فيقدر استهلاك الأسر بنصف الطاقة المبيعة. وفي حالة زيادة تكاليف الكهرباء بما يراوح ما بين 200 و300 ريال شهريا للأسرة، فإن متوسط زيادة تكاليف الكهرباء السنوية للأسرة تقارب ثلاثة آلاف ريال. وفي هذه الحالة فإن زيادة تكاليف الكهرباء أسهمت في رفع تكاليف المعيشة بنحو 2 في المائة تقريبا. أما تأثير ضريبة القيمة المضافة (5 في المائة) - المفروضة على معظم السلع والخدمات الاستهلاكية – في زيادة الأسعار فلن يقل عن 3 في المائة من إجمالي الإنفاق الأسري. إضافة إلى ذلك طرأت زيادات على تكاليف العمالة والأعمال التي سيمرر معظمها إلى المستهلك، ويضيف ما لا يقل عن 1 في المائة أو 2 في المائة إلى تكاليف المعيشة. وبهذا فإن معدل التضخم الذي جاء نتيجة لزيادة الأسعار الذي يمكن القبول به قد يصل أو يتجاوز 7 في المائة، وسيرتفع مع مرور الوقت لأن الأعمال ستمرر تكاليفها الإضافية بالتدريج.
أما بالنسبة للتحليل الجزئي فما زالت الهيئة العامة للإحصاء تخفي تكاليف البنود الفردية من نشرات تكاليف المعيشة، بعدما كانت تنشرها في السابق. ومع هذا توجد ملاحظات على بعض تغيرات المجموعات الفرعية التي وردت في النشرة. ومن أبرز التغيرات التي تظهرها النشرة التي تبدو بعيدة عن الواقع تغيرات تكاليف المياه التي ارتفعت منذ عام 2013 بنسبة 117 في المائة فقط حسب آخر نشرة، وهذا المعدل بعيد كل البعد عن الواقع، حيث طرأت زيادات كبيرة على تكاليف المياه. كما أن زيادة أسعار التبغ الواردة في نشرة تكاليف المعيشة تبدو محدودة، حيث ارتفعت بنسبة 10.1 في المائة فقط خلال عام، وارتفعت بنسبة 92 في المائة خلال خمسة أعوام. كما يبدو أن زيادة أسعار الكهرباء الواردة في النشرة والبالغة 45.8 في المائة منخفضة خلال السنوات الخمس الماضية. إضافة إلى ذلك يبدو أن تكاليف زيادة أسعار الاتصالات أقل من الواقع في شهر يناير 2018 مقارنة بالشهر السابق، حيث ذكرت النشرة أنها ارتفعت بنسبة 2.1 في المائة، مع أن ضريبة القيمة المضافة رفعت الأسعار بنسبة 5 في المائة. أوردت النشرة أيضا أن هناك تراجعا في تكاليف المجوهرات السنوية لشهر يناير بنسبة 9.9 في المائة. وتتأثر المجوهرات بشكل رئيس بأسعار الذهب الذي ارتفعت أسعاره السنوية بنسبة 15.8 في المائة، كما أن ضريبة القيمة المضافة أضافت 5 في المائة إلى الأسعار، فكيف تتراجع أسعار المجوهرات مع زيادة أسعار الذهب بنحو 20 في المائة خلال عام؟
أيضا لا بد من التذكير بأن هناك معضلة فنية في تقدير تكاليف زيادة أسعار منتجات الطاقة، حيث إن أوزان منتجات الطاقة في السلة الاستهلاكية مبنية على مسح الإنفاق الأسري في عام 2013. وكانت أسعار منتجات الطاقة منخفضة وتكاليفها منخفضة مما نتج عنه انخفاض أهمياتها النسبية في المؤشر، وهذا خفض تأثير زيادة أسعارها مقارنة بما هو حاصل فعلا. وكانت أهمياتها النسبية على أرض الواقع قد ارتفعت بسبب الزيادة السابقة في بداية 2016. ولو تم تعديل الأهميات النسبية لمنتجات الطاقة لكان معدل زيادة أسعار المستهلك في النشرة أعلى مما ورد فعلا.

إنشرها