Author

المؤسسات التعليمية .. وبناء المهارات

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

المؤسسة التعليمية جزء لا يتجزأ من حياة المواطن اليوم، فهي أساسية في بناء شخصيته باعتبار أن الفرد في المجتمع يقضي جزءا كبيرا من وقته داخل المؤسسة التعليمية في بدايات حياته ونشأته، ولم تعد الأدوات الأخرى التي تبني خبرات هذا الفرد كما هي في السابق، وهي التي غالبا ما تعتمد على توريث الآباء للأبناء المهن والخبرات والمهارات، ومن هنا كان لزاما على هذه المؤسسات أن تتحمل مسؤوليتها في تعويض هذا النقص وبناء المهارات للفرد باعتبار أنها ضرورة بالنسبة له، ليجد فرصا مناسبة مستقبلا للعمل وبناء منظومة حياتية أكثر استقرارا، وذلك ينتج عنه زيادة في كفاءة الفرد وإنتاجيته وأن يكون عضوا فاعلا وداعما لتنمية الوطن.
من المعلوم اليوم أن المعلومة أصبحت متاحة بشكل واسع أكثر من ذي قبل فكتابة سؤال في موقع البحث "جوجل" يمكن أن يقدم لك نتائج تفوق التوقعات دون مقارنة بما يمكن أن يقدمه المعلم، ولهذا لم يعد التعليم في هذا الزمن بالطرق المعتادة في السابق كافيا للطالب، إذ إن مصدر المعلومة أصبح متعددا ومتنوعا، والمحتوى الإلكتروني أو فضاء الإنترنت أصبح يزخر بكم هائل من المعلومات، ومن هنا تأتي أهمية تقديم المؤسسة التعليمية ما يضيف للطالب، ويمكن أن يستفيد منه في حياته، ويجعل له ميزة نوعية في مساره المهني مستقبلا. ومن هنا لا بد أن تبدأ المؤسسات التعليمية بالعناية بالجانب المهاري بصورة أكبر من خلال مجموعة من البرامج التي تمكن المتعلم، في أي مرحلة، من أن يكون مؤهلا لسوق العمل، كما أنه من المهم العناية بالمهارات الأساسية لإدارة شؤون حياته بصورة جيدة في مختلف مناحي الحياة.
بطبيعة الحال فإنه من غير الممكن أن يتعلم الفرد كل شيء في مراحل التعليم الأولى أو حتى الجامعية، ولكن لا يمكن أن نتجاهل احتياجاته، وذلك من خلال استقصاء ما يمكن أن يواجهه الفرد في حياته ويحتاج فيها إلى مهارات لاتخاذ القرار المناسب، فمن أهم الأمور التي يمكن أن يواجهها الطالب في حياته اختيار المجال الذي سيعيشه بقية عمره، فاختيار التخصص الذي يجد الطالب أنه يتناسب مع إمكاناته وطموحه من الأمور المهمة التي تزيد من فرص نجاح الطالب عمليا، كما أن من المهارات المهمة تهيئة الطالب إلى سوق العمل، إذ إن المعرفة قد لا تكون كافية في كثير من القطاعات إذ تعمد مجموعة منها إلى بناء برامج لتطوير مهارات الخريجين، بل إعادة تأهيلهم وذلك بناء على قناعة من قبل جهات التوظيف أن المؤسسات التعليمية لا تقدم المهارات اللازمة والكافية لطلابها للالتحاق بسوق العمل.
كما أن المهارات هنا لا تقف عند مسألة بناء قدرات الطالب في مجال ما، بل من الأهمية بمكان بناء قدرات الطالب في إبراز مهاراته وإظهار قدراته في تقديم إضافة إلى قطاع العمل الذي يتطلع إلى الالتحاق به، ولعل هذه الميزة يفتقر إليها كثير من الخريجين في المملكة رغم ما لديهم من إمكانات، فبناء السيرة الذاتية وإبراز المهارات في المقابلات الشخصية وعند التعامل مع مديريهم في العمل أقل من إمكاناتهم الفعلية وهذا ما تتميز به القوى العاملة الأجنبية التي تعد أقل تأهيلا لكنها توحي بقدرات عالية تفوق إمكاناتها الفعلية، وهذا ما يفسر نجاح بعضهم في ممارسة مهن غير متخصص بها، لكن مهارات الإقناع لديهم مكنتهم من تبوء وظائف ليسوا مؤهلين لها.
من المهارات المهمة للمواطن القدرة على إدارة شؤون حياته فقد يتمكن من اختيار التخصص المناسب والوظيفة الجيدة، ولكن يجد معاناة كبيرة في تملك منزل على سبيل المثال أو شراء سيارة دون تقسيط، وهنا نجد فجوة كبيرة في حياة هذا المواطن الذي يجد نفسه دائما في ضائقة مالية رغم ما يملكه من دخل جيد، فمن الأهمية بناء مهارات الفرد في القدرة على الادخار والاستثمار وإدارة شؤونه المالية بما يمكنه من الحصول على منزل مناسب وحياة أسرية مستقرة ماليا.
فالخلاصة أن بناء المهارات تحد كبير للمؤسسات التعليمية، فبناء المهارات ليس بالأمر اليسير خلافا لمسألة توفير المعلومات التي أصبحت اليوم أكثر سهولة عطفا على المصادر المتنوعة، خصوصا المحتوى الافتراضي، ومن هنا تأتي أهمية دراسة كل ما يمكن أن يواجهه ويحتاج إليه المواطن في حياته، والعمل على إعداد برامج مناسبة تهيئ له فرصا أفضل لإدارة شؤون حياته بصورة جيدة سواء كان ذلك في اختيار مجال العمل أو إدارة أموره المالية أو التفاعل بإيجابية مع النظام العام في هذا الوطن.

إنشرها