FINANCIAL TIMES

التدقيق في مصادر التمويل يترك شركات الصين على مسارات مختلفة

التدقيق في مصادر التمويل يترك شركات الصين على مسارات مختلفة

استيلاء الحكومة الصينية على شركة آنبانج للتأمين والملاحقة الجنائية لمؤسسها، وو تشياوهوي، تمثل أكبر خطوة حتى الآن في حملة رسمية على التمويل المحفوف بالمخاطر، ما أدى إلى تراجع حاد في عمليات الاستحواذ الخارجية التي كانت تنفذها الشركات الصينية.
لكن في اليوم نفسه الذي أُعلِن فيه عن الاستيلاء على "آنبانج"، قالت شركة فوسون الصينية "إنها ستشتري حصة كبيرة في "لانفان"، أقدم دار لتصميم الأزياء في فرنسا". وتؤكد هذه الخطوة المصائر المتباينة التي واجهتها أكبر أربعة تكتلات في القطاع الخاص - التكتلان الآخران هما "إتش إن إيه" و"داليان واندا" - التي حددتها بكين العام الماضي بأنها تقترض بشكل قوي جدا من أجل تمويل صفقات تتم في الخارج.
كل ذلك حاز اهتمام العناوين الرئيسية على مدى السنوات القليلة الماضية مع سلسلة من عمليات الاستحواذ الأجنبية الجريئة. وتشمل تلك العمليات شراء شركة آنبانج فندق والدورف آستوريا في نيويورك مقابل ملياري دولار، واستحواذ داليان واندا على استوديو هوليوود "ليجندري إنترتينمنت" مقابل 3.5 مليار دولار، والمبالغ الباذخة البالغة 40 مليار دولار التي دفعتها شركة إتش إن إيه على حصص في شركات تشمل دويتشه بانك وهلتون العالمية.
وكثفت بكين من جهودها في العام الماضي للحد من هذا الفوران، بسبب القلق من أن الشركات تفرط في الدفع لأصول خارجية وتعمل على استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، في الوقت الذي تعتمد فيه على أساليب محفوفة بالمخاطر لتمويل عمليات الاستحواذ.
ويقول محللون "إن تعامل الحكومة مع تلك المجموعات يختلف اعتمادا على مصادر التمويل لديها، وما إذا كانت قد تعاونت في حملة الحكومة الهادفة إلى إبطاء تدفقات رأس المال الخارجة وتقليص الرفع المالي".
إيثر يين، من شركة الاستشارات "تريفيام" في الصين، يقول "كانت التكتلات تقترض من المصارف الصينية وتبرم الصفقات الخارجية والصفقات التي لا تؤدي إلى إيجاد كثير من المنافع بالنسبة إلى النظام". ويضيف "إن حصل خطأ ما وساءت الأمور، فإن المصارف المملوكة للدولة هي التي ستتعرض للخطر".
انخفض استثمار الصين في الخارج 35 في المائة العام الماضي، وتراجع إلى 137 مليار دولار مقابل 204 مليارات دولار في عام 2016، جزئيا بسبب تشديد القيود المفروضة على تدفقات رأس المال الخارجة، كما تقول شركة ميرجرماركيت.
وتعاونت شركة واندا مع التعليمات الرسمية من خلال التخلص من أكثر من أربعة مليارات دولار من الأصول الأجنبية على مدى الأشهر التسعة الماضية والتعهد "بإعادة التركيز" على الاقتصاد المحلي. وفي الأسبوع الماضي باعت حصتها البالغة 17 في المائة في نادي كرة القدم الإسباني "أتلتيكو مدريد".
في الوقت نفسه، كان يبدو أن "إتش إن إيه" تستعيد الدعم في الوقت الذي تعمل فيه على تصويب أوضاعها وسط انقباض السيولة. وفي الأسبوع الماضي أعلنت الشركة المثقلة بالديون عن بيع قطعتي أرض في هونج كونج لشركة التطوير المحلية "هندرسون لاند" مقابل 15.8 مليار دولار هونج كونج "ملياري دولار أمريكي".
وكان الأنموذج المالي لدى "آنبانج" هو الذي تسبب في إثارة أقصى مشاعر القلق لدى السلطات الصينية. فخلافا لمجموعات أخرى اعتمدت على القروض المصرفية أو إصدارات السندات لتمويل عمليات الاستحواذ، اعتمدت "آنبانج" على مبيعات المنتجات الشبيهة بالاستثمارات التي باعتها لمستثمري التجزئة الصينيين الأغنياء تحت مسمى التأمين على الحياة، كجزء من نظام مصرفية الظل مترامي الأطراف في الصين.
ومنعت الجهة المنظمة لأعمال التأمين شركة آنبانج من بيع عدد من المنتجات الشبيهة بالاستثمار والمحفوفة بالمخاطر مطلع العام الماضي، قبل فترة قصيرة من احتجاز السلطات للسيد وو، وسط حملة قمع واسعة النطاق في مجال خدمات مصارف الظل.
وفي السنوات الأخيرة تعرض عديد من منتجات الاستثمار التي توفر عائدات مرتفعة للإفلاس وفي بعض الأحيان أدى ذلك إلى احتجاجات في الشوارع من قبل مستثمرين ساخطين. وعملية الاستحواذ على "آنبانج" هي علامة على "حاجة الحكومة إلى حماية المستثمرين الأفراد من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي"، بحسب يين.
من الواضح أن "آنبانج"، "انتهكت المتطلبات التنظيمية، لكن ذلك ليس واضحا بما يكفي بشأن التكتلات الأخرى"، بحسب تشو نينج، من المعهد الوطني للبحوث المالية في جامعة تشينجهاو في بكين.
وكان الوضع المالي لدى "آنبانج" أيضا في حالة أكثر هشاشة من حال الشركات الأخرى بسبب عدم التطابق بين طبيعة أصولها قصيرة الأجل والطبيعة الأطول أجلا لالتزاماتها المالية. وقد تم لفت النظر إلى اعتماد الشركة على المنتجات ذات العائدات المرتفعة عندما سمحت لها الجهة المنظمة للتأمين بالبدء في إعادة بيعها في تشرين الأول (أكتوبر)، بحسب ما يقول محللون.
ووفقا لتشو "كانت "آنبانج" الشركة الأكثر نشاطا وقوة من حيث نسبة أصولها الأجنبية إلى أصولها المحلية وكانت تعاني عدم تطابق أكثر خطورة بين مصادر التمويل لديها وعمليات الاستحواذ التي كانت تنفذها. بمعنى آخر، كان ذلك يمثل مزيدا من التكهنات بأن الرنمينبي سيتراجع".
كذلك تتعرض "إتش إن إيه" لضغوط حادة. المجموعة التي بدأت شركة طيران قبل أن توسع نطاق عملها ليصل إلى التمويل، هي الشركة الأكثر تنفيذا لعمليات الاستحواذ من بين جميع الشركات وكانت تواجه أزمة سيولة، ما اضطرها للجوء إلى مصادر تمويل أكثر خطورة.
هذه الشركة التي تعرضت ملكيتها لكثير من التشكيك من قبل جهات تنظيم أجنبية، كانت تحاول تحويل رأس المال السياسي إلى رأسمال مالي، مع اتهام رئيسها المشارك، وانج جيان، نقاد الشركة بأنهم جزء من مؤامرة تهدف إلى إضعاف الصين، وفقا لخطاب تسرب عبر الإنترنت.
ويبدو أن الجهود قد آتت أكلها، مع تقديم مصرف سيتيك الذي تسيطر عليه الدولة خط ائتمان بقيمة 3.2 مليار دولار للشركة هذا الشهر.
مع ذلك، تواجه "إتش إن إيه" تساؤلات حول مساهميها. قال فريزر هاوي، المختص في النظام المالي الصيني "عندما تتعامل مع الشركات الصينية، يتعين عليك أن تدرك أن خطر تعرضها للفشل كبير بسبب الضغوطات السياسية المحتملة، لذلك يجب الانتباه بشكل كبير واتخاذ الحيطة الواجبة".
شركة فوسون التي تمتلك عقارات وأصول في شركات التأمين، عملت على إبطاء وتيرة عمليات الاستحواذ خلال العام الماضي. وفشلت صفقة رفيعة المستوى تتضمن الحصول على حصة في منجم الذهب الروسي "بوليوس"، لكن في تشرين الأول (أكتوبر) استكملت صفقة بلغت قيمتها نحو مليار دولار للحصول على حصة مسيطِرة في شركة جلاند فارما الهندية.
واتخذت الشركة التي يوجد مقرها في شنغهاي خطوات لتخفيض رفعها المالي وتعديل وضع استثماراتها لتسهم في جهود الحكومة الرامية إلى جعل اقتصاد الصين أكثر ميلا نحو التكنولوجيا والاستهلاك.
وما ساعد المجموعات الصينية هو انخفاض مشاعر القلق إزاء عملة الصين التي تعززت على مدى العام الماضي في الوقت الذي زادت فيه احتياطيات العملات الأجنبية في البلاد على مدى 12 شهرا على التوالي. وقال هاوي "مشاعر الفزع هدأت".
وأضاف "القضية هي كيف يتم تمويل الصفقات، وما إذا كانت تنسجم مع أهداف الدولة ويمكن القول إنها تقدم فائدة للبلاد. إن إبرام صفقات عقارية في شرق لندن لا يبدو أنه يقدم فائدة لشركات الصين، بل الأمر يتعلق بمدى جودة التمويل المقدم لها والسعر الذي تدفعه".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES