Author

"رؤية السعودية 2030" .. في الفكر الاقتصادي السعودي

|

رغم أننا نخوض مرحلة إعادة بناء اقتصادنا الوطني وتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يستهدف تغيير البنى الأساسية للاقتصاد، إلا أن علماء الاقتصاد في بلادنا لم يواكبوا هذا الإصلاح، ولم يحللوا ويستنتجوا النتائج المؤمل الوصول إليها من عمليات إعادة البناء والإصلاح.
ونؤكد في هذه المناسبة أن التغيرات التي ستحدثها "رؤية السعودية 2030" في الركائز الأساسية للاقتصاد السعودي.. هي التحدي الأعظم للفكر الاقتصادي السعودي الذي تنحى ــ مع الأسف الشديد ــ جانبا عن الخوض في غمار هذه الموضوعات المهمة.
وكان المأمول من المفكرين السعوديين المتخصصين في علوم الاقتصاد أن يخوضوا في هذه المواضيع ويستشرفوا مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل عالم جديد يعد بتغيرات مفصلية في الاقتصادات الحديثة، ولا سيما أن العالم بدأ يدخل في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وهو العصر الذي يحمل معه كثيرا من التحديات وكثيرا من التغيرات في قواعد الاقتصادات المحلية والدولية.
إذا استعدنا قراءة الأزمات الاقتصادية في العالم، نلاحظ أن الجامعات تلعب دورا مهما ورئيسا في تصميم النظريات الاقتصادية التي تفسر أسباب الأزمات ووسائل علاجها، ونذكر على سبيل المثال أن أزمة الكساد الكبير في عام 1929 خرجت من رحم جامعة كمبردج البريطانية على يد جون ميرند كينز، وحينذاك وضع كينز وزملاؤه تفسيرا موضوعيا لأسباب الأزمة الاقتصادية وطرق معالجتها.
كما أن نظرية اقتصادات السوق في قالبها الجديد التي يتبناها النظام الرأسمالي الحالي هي نظرية جاءت من رحم جامعة شيكاغو على يد ملتون فريدمان الذي عرف عنه انتقاده اللاذع لنظرية كينز ومطالبته بعدم تدخل الحكومات في الأسواق وترك الأسواق تحل مشاكلها بنفسها دون أي تدخل من الحكومات.
إن "رؤية السعودية 2030" هي برنامج يعالج معضلة المورد الواحد ومجموعة أخرى من الاختلالات التي ظل الاقتصاد يتعايش معها "لأكثر من نصف قرن".
إن مساهمة أقسام الاقتصاد في الجامعات السعودية في الفكر الاقتصادي المحلي والعالمي تكاد لا تذكر رغم أن دور الاقتصاد السعودي في النظام الاقتصادي العالمي بات موجودا ومؤثرا وفاعلا، بدليل أن المملكة عضو في مجموعة العشرين.
والسؤال المهم: أين علماء الاقتصاد السعودي من مثل هذه النظريات؟ ولماذا لم نسمع أنهم وضعوا نظرية اقتصادية للمساهمة في تفسير الأزمة التي كان يعانيها الاقتصاد الوطني وترك الحكومة وحدها تصمم برنامجا واسعا للإصلاح الاقتصادي؟ بل لنقل لماذا لم يصدر تنظير علمي موضوعي، وليس نظرية من أحد مراكز البحوث في الجامعات السعودية؟!
بمعنى آخر، إن المجتمعات في عالمنا العربي خاصة في عالمنا الخليجي ما زالت تنتظر نتائج الأزمة، ولم يصعد واحد من أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات السعودية أو الخليجية، ويكشف النقاب عن دراسة علمية يشرح فيها ما سيصيبنا من الاعتماد على البترول كمورد وحيد ظللنا نعتمد عليه أكثر من 50 عاما.
ومع الأسف كل الذي يأتينا من الأكاديميين الاقتصاديين هو القليل من المداخلات المبتورة في الفضائيات يرمى فيها الأستاذ الفضائي كلمات ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يختفي بعيدا عن المنابر والمنتديات التي تناقش قضايا الاقتصاد بموضوعية وشفافية.
ولذلك نقول مع الأسف لم تكن تجربة الأكاديميين في الفضائيات صورة مشرفة لأنها لم تأت بجديد، ولم تكن التصريحات كلاما علميا موثوقا به، بل هي مجرد تصريحات ظنية متعجلة، وطبعا مثل هذه التصريحات الجزافية تنتهي إلى نتائج ليست ذات قيمة علمية.
وأتصور أن الدراسة التي ننشدها يجب أن تتضمن برنامجا لتنويع الموارد وبرنامجا للموارد البشرية، وبرنامجا عن الإغلاقات لبعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المخالفة لنظام الإقامة ونوع الإحلالات السعودية التي يجب أن تحل محلها، وبرنامجا لتنظيم وتنشيط أسواق المال وقوانين إصلاح البنوك وخطة اقتصادية لتنشيط عجلة الاقتصاد.
إن الإمكانات العلمية التي نعرفها عند أساتذة الاقتصاد في الجامعات السعودية يمكن أن تفرز مساهمة علمية جادة لعلاج ما ستفرزه الإصلاحات الاقتصادية في الأسواق المحلية، بل أتصور أننا نستطيع المساهمة بأبحاث تفيد كثيرا في تنظير وتشخيص الأزمات العابرة، ووضع الحلول الموضوعية التي تعبر عن إمكاناتنا ووجهة نظرنا دون أن نترك الغير يفكر نيابة عنا، ويهتم بشؤوننا أكثر مما نهتم نحن بأنفسنا.
أحسب أنه لا تنقصنا المواهب ولا ينقصنا الطموح وأمامنا ساحات علمية مفتوحة على مصراعيها نأخذ منها ما شئنا، وأمامنا أبواب المساهمة مفتوحة على مصراعيها، حتى أكبر الجامعات في أوروبا وأمريكا مفتوحة أمامنا وبعضنا درس فيها وعاشر أولئك العلماء الذين يصولون ويجولون اليوم في مراكز البحوث والدراسات العلمية العالمية.
ولذلك لا عذر لعلماء الاقتصاد السعوديين في أنهم لم يدلوا بدلوهم في برامجنا الاقتصادية التي تمس ــ كما قلنا ــ كل مواطن بل تمس مستقبل اقتصادنا الوطني.
إنني بكل ثقة أقول إذا أحسسنا بهذا الطموح ولو للحظة، فإن أقسام الاقتصاد في الجامعات السعودية تستطيع أن تكتب هذه الروشتة، بل في إمكان علماء الاقتصاد في جامعاتنا السعودية التنبؤ بالأزمات وكتابة دراسات لتفسير ما يحدث ووضع العلاج اللازم للأزمات الماثلة والقادمة.
ولا شك أن السوق السعودية تتعرض الآن ــ وهي تنفذ عديدا من الإصلاحات ــ لكثير من المشاكل الاقتصادية التي يمكن أن نلاحظها جميعا في السوق السعودية، ولعل أهمها قضية الركود الاقتصادي، وقضية خروج بعض الأيدي العاملة من سوق العمل، ثم قضية إحلال السعوديين محل الأيدي العاملة الأجنبية.
كل هذه المشاكل وغيرها يجب أن تكون موضوعات تعالجها أقلام مفكرينا الاقتصاديين، والأمل كبير في أن نجد قريبا مجموعة من الدراسات الاقتصادية التي تصدرها مراكز الأبحاث في جامعاتنا السعودية، وتسهم بشكل جيد في علاج بعض مشاكلنا الاقتصادية العارضة التي بدأت آثارها السلبية تظهر في أسواقنا المحلية.

إنشرها