default Author

ترسيخ النمو وتوزيع ثماره في مصر

|
يواصل الاقتصاد المصري مسيرة التعافي، تدعمه السياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة وحزمة الإجراءات الجريئة التي بدأت بها جهود الإصلاح لمعالجة التحديات الكبرى التي واجهها الاقتصاد في السنوات الأخيرة. وكما أشار صندوق النقد في آخر فحص أجراه لسلامة الاقتصاد المصري، تتمثل المهمة الحالية في تعميق الإصلاحات لزيادة النمو الاقتصادي، وضمان استمراريته، وتوزيع ثماره على السكان الذين تتزايد أعدادهم بسرعة وعلى الشباب والنساء. وبعد أكثر من عام على إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي، بدأ نمو إجمالي الناتج المحلي يزداد قوة والتضخم يواصل الانخفاض. وقد خفضت الحكومة عجز الميزانية، وهناك زيادة مستمرة في عائدات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، كما أعيد بناء احتياطيات النقد الأجنبي. وما ساعد على دفع عجلة النمو في مصر تعويم سعر صرف الجنيه وما اتخِذ من خطوات أدت إلى تحسين مناخ الأعمال. وفي هذا الصدد يقول سوبير لال، رئيس فريق الصندوق المعني بمصر، إن "هذا التحول الإيجابي في الاقتصاد الكلي داخليا وبيئة الاقتصاد العالمي المواتية حاليا يتيحان فرصة فريدة للاستفادة من زخم الإصلاح في مجالات عادة ما كان من المتعذر التعامل معها. وينبغي إجراء إصلاحات هيكلية عميقة ودائمة من أجل إيجاد فرص العمل بالسرعة المطلوبة لمواكبة تزايد السكان". وفيما يلي أهم توصيات الصندوق لمصر: يجب أن ترسخ مصر ما حققته من استقرار حتى الآن. ويستتبع هذا الحفاظ على مرونة سعر الصرف وتحقيق مزيد من التقدم في خفض التضخم. كذلك ينبغي أن تواصل الحكومة تخفيض عجز الميزانية لاحتواء الدين العام. ولتحقيق هذا الغرض، يقترح الصندوق ما يلي: ـــ تحصيل إيرادات أكبر للإنفاق على الخدمات الاجتماعية الضرورية والاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية: وسيتيسر تحقيق ذلك بتخفيض الإعفاءات الضريبية، وزيادة تصاعدية النظام الضريبي، (بحيث يدفع الأغنياء ضرائب أكبر على أساس تصاعدي)، وتعزيز كفاءة الإدارة الضريبية. ونتيجة لذلك، كما يشير التحليل، يمكن أن ترتفع الإيرادات بنسبة 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط. ـــ إلغاء معظم دعم الوقود، الذي يستفيد من معظمه الأغنياء، والسماح بتحرك أسعار الوقود تمشيا مع التكاليف: ستؤدي هذه الإجراءات إلى حماية الميزانية من تحركات أسعار النفط العالمية وتغيرات سعر الصرف والحفاظ على أولويات الإنفاق اللازم للبرامج الاجتماعية والبنية التحتية الضرورية. وقد أطلقت مصر برنامجا للإصلاح عندما أصيب اقتصادها باختلالات متزايدة أدت إلى إضعاف النمو، وارتفاع الدين العام، وزيادة عجز الحساب الجاري، وتراجُع الاحتياطيات الرسمية. ولدعم هذه الإصلاحات الوطنية، شرعت الحكومة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 في تنفيذ اتفاق يدعمه الصندوق لاستعادة استقرار مالية مصر وتشجيع النمو والتوظيف، مع حماية الأسر محدودة الدخل من الآثار السلبية للتغييرات المصاحبة. وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) 2017، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على الشريحة الثالثة من القرض المتفق عليه في إطار تسهيل الصندوق الممدد الذي يغطي ثلاث سنوات وتبلغ قيمته الكلية 12 مليار دولار أمريكي. رغم ضرورة تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ينبغي أن توفر مصر الحماية للأسر الأقل دخلا. ويتطلب هذا إجراء تحسينات مستمرة في كفاءة المساعدات الاجتماعية عن طريق تخفيض دعم الأسعار والتوسع في برامج التحويلات النقدية الأفضل استهدافا للمستحقين، مثل "تكافل وكرامة"، من أجل توفير موارد للفئات الأشد احتياجا مع تجنب تراكم الدين العام إلى مستويات يتعذر الاستمرار في تحملها. تتطلب معدلات الزيادة السكانية في مصر توفير نحو 700 ألف وظيفة جديدة سنويا، الأمر الذي لا يمكن إنجازه إلا إذا أصبح القطاع الخاص القاطرة الأساسية للنمو. وحتى يتحقق ذلك، ينبغي للدولة ـــ التي تقوم بدور بارز في الاقتصاد المصري ـــ أن تنسحب من بعض القطاعات وتتيح المجال للقطاع الخاص كي يستثمر وينمو.
إنشرها