default Author

الحد من الهبوط الاقتصادي

|

أوضحت الأزمة المالية العالمية أن فترات النمو القوي والهدوء الظاهري في الأسواق المالية يمكن أن تعقبها قفزة حادة في درجة تقلب الأسواق وهبوط غير متوقع في النشاط الاقتصادي. ولذلك فمن المهم للغاية أن يتابع صناع السياسات من كثب ما يسمى الأوضاع المالية، وهي تشمل كل شيء من عائدات السندات وأسعار النفط إلى أسعار العملات الأجنبية ومستويات الدين المحلي.
في الفترة السابقة للأزمة، أدى الرخاء السائد في الشركات والأسر إلى اتخاذ مسلك محفوف بالمخاطر. فقد حفزت أسعار الفائدة المنخفضة الشركات والأسر على الإغراق في الاقتراض. وأدى تصاعد أسعار الأصول إلى ارتفاع قيمة الضمان وكذلك رأسمال المصارف وأرباحها، ما سمح للمصارف بإرخاء معايير الإقراض ويسر السبيل أمام زيادة الاقتراض والإقراض. وفي نهاية المطاف، أدى إدراك الأسواق للمخاطر التي ينطوي عليها تراكم مواطن الضعف المذكورة إلى إطلاق العنان لزيادة سريعة في تكاليف التمويل وتشديد شروط الائتمان، ما تسبب بدوره في دوامة متعاقبة من حالات العجز عن السداد والإخفاقات المصرفية التي انتهت بحالة من الركود هي الأكثر حدة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
فكيف يمكن لأدواتنا الجديدة أن تساعد على التنبؤ بالهبوط الاقتصادي؟ تحدد تحليلاتنا بعض الأوضاع التي غالبا ما تنبئ بوقوع مشكلات في غضون 12 شهرا: ارتفاع درجة التقلب في الأسواق، وزيادة عزوف المستثمرين عن تحمل المخاطر، واتساع فرق العائد ـــ أي الفرق بين السندات التي تتمتع بأعلى درجات الأمان مثل سندات الخزانة الأمريكية وغيرها من أشكال الدين. وعلى مدار فترة تغطي سنتين أو ثلاث سنوات، يكون ارتفاع مستوى الدين والنمو الائتماني إشارة أفضل لفترات اقتصادية عصيبة مقبلة.
لا شك أن أهمية أي مقياس تعتمد على نوع الاقتصاد. فارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات وتفاقم الشعور العالمي بالمخاطر يدلان على وجود مشكلات شاملة. ولكن، رغم أن ارتفاع أسعار السلع الأولية مفيد للبلدان المصدرة مثل أستراليا وكندا والبرازيل، فإنه يزيد مخاطر الهبوط الاقتصادي في البلدان المستوردة للسلع الأولية.
إذن ما الإشارات التي ترسلها الأوضاع المالية اليوم؟ فروق العائد منخفضة حاليا وكذلك درجة تقلب الأسواق، ما يشير إلى آفاق مواتية نسبيا، وهذا خبر سار. ولكن تصاعد مستويات الدين يشير إلى مخاطر مقبلة. فسرعة اتساع فروق العائد وزيادة التقلب في الأسواق يمكن أن يؤديا إلى تفاقم كبير في النمو العالمي.
ولحسن الحظ، يستطيع صناع السياسات استخدام الأدوات التي استحدثناها لمساعدتهم على التنبؤ بالمخاطر واتخاذ الإجراءات المناسبة. فيمكنهم استخدام ما يسمى إجراءات السلامة الاحترازية الكلية لكبح النمو الائتماني والحد من مخاطر الكساد. ومن بين هذه الإجراءات اشتراط حيازة المصارف مستوى أعلى من رأس المال على سبيل الوقاية من الخسائر، واشتراط سداد الأسر مقدما أكبر عند شراء المساكن. وإذا بدا أن هناك أزمة توشك أن تقع، يمكن اللجوء إلى خيارات تتضمن تخفيض أسعار الفائدة الأساسية التي يحددها البنك المركزي، إضافة إلى بعض الإجراءات التي طبقت على نطاق واسع أثناء الأزمة الأخيرة مثل برامج شراء الأصول وتسهيلات السيولة الطارئة.

إنشرها