Author

هل نشهد بداية انكماش في أسواق النفط؟

|

لقد سجلت أسواق النفط أسوأ أسبوع لها منذ أكثر من عامين ـــ فقد خسر خام غرب تكساس الوسيط 9.5 في المائة، وتراجع خام بحر الشمال برنت 8.5 في المائة في الأسبوع المنتهي في العاشر من شباط (فبراير). وكانت آخر مرة تراجع فيها المؤشران النفطيان بهذا المقدار الكبير في أسبوع واحد في أوائل عام 2016 عندما كانت أسواق النفط في حالة اضطراب خطيرة، حيث انخفضت الأسعار إلى ما دون 30 دولارا للبرميل.
وبطبيعة الحال، فإن التراجع الحالي هو نتيجة مشكلات تتعلق بأسواق النفط فضلا عن تقلبات كبيرة في أسواق الأسهم العالمية. حيث أدى انتعاش الدولار الأمريكي وانهيار أسواق الأسهم إلى انخفاض أسعار النفط الخام. كما أن الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي إلى أكثر من 10.25 مليون برميل يوميا في الأسبوع الأول من شباط (فبراير)، إضافة إلى توقعات نمو الإنتاج إلى 11 مليون برميل يوميا في وقت لاحق من هذا العام، أثارت المخاوف من عودة فائض الإمدادات إلى الأسواق. على ما يبدو أن هذه المخاوف كانت مؤكدة مع زيادة هائلة في عدد منصات الحفر في الأسبوع الماضي، حيث قال بيكر هيوز إن صناعة النفط أضافت 26 حفارا، وهذا أكبر دليل على أن صناعة النفط الصخري في تصاعد.
وتدفع أسعار النفط ثمن ارتفاعها السريع جدا إلى مستويات أدت إلى زيادة الإنتاج الأمريكي. كما أن المتعاملين في الأسواق يشعرون بالتوتر إزاء تقلبات الأسواق المالية الأخيرة وقوة الدولار. ويتوقع عديد من المحللين أن ينخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما يقرب من 50 دولارا إذا استمرت التقلبات في أسواق المال. ولكن ربما يكون الانخفاض المفاجئ في الأسعار مجرد تصحيح أكثر منه بداية انكماش مستمر. حيث من المرجح أن يغير صناديق التحوط ومديرو الأموال الآخرون بعض مراكزهم من الشراء إلى البيع، ما يدفع الأسعار إلى الانخفاض ولكنهم يخففون من بعض الضغوط الناتجة عن التدفقات المالية القصيرة الأجل.
ومن أهم المتغيرات في تحديد توقعات أسعار النفط لبقية العام هو وتيرة نمو النفط الصخري في الولايات المتحدة. فقد تحولت توقعات الأسعار بشكل مفاجئ إلى هبوطية في الأسبوعين الماضيين، حيث إن عديدا من التوقعات والبيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى ارتفاع حاد في الإنتاج. وترى الإدارة أن الإنتاج الأمريكي سيصل إلى 11 مليون برميل يوميا قبل عام مما كان متوقعا في السابق، وهذه التوقعات أثرت في الزخم التصاعدي لأسعار النفط القياسية.
ولكن ليس جميع المحللين ودور المعرفة على استعداد للتخلي عن نظرتهم الأكثر تشددا بخصوص نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. في هذا الصدد، يفترض محللو بنك الاستثمار جولدمان ساكس نموا أبطأ في هذا القطاع، حيث يتوقعون أن مستويات الإنفاق الأكثر تواضعا وخطط الحفر قد تؤدي إلى مكاسب إنتاجية، وإن لم تكن هناك موجة كبيرة من الإمدادات الجديدة. في تقريره الأخير بهذا الصدد، أكد بنك جولدمان ساكس هذا الاعتقاد، مشيرا إلى أنه من مراجعة النفقات الرأسمالية لعشر شركات بارزة تعمل في قطاع النفط الصخري الأمريكي وجد أن مستويات الإنفاق المتوقعة لهذه السنة أقل 3 في المائة من توقعات المحللين. وبعبارة أخرى، فإن خطط الإنفاق والحفر لهذا العام لم تتغير إلى حد كبير استجابة لارتفاع الأسعار في كانون الثاني (يناير). الخلاصة أن صناعة النفط الصخري قد لا تكون محفزة بمعدلات كبيرة جدا كما يعتقد عديد من مراقبي السوق. وهي تتصرف في عام 2018 إلى حد كبير بالطريقة نفسها التي أشارت إليها قبل بدء ارتفاع الأسعار، مع حد أدنى من التنقيحات لخطط الإنفاق والإنتاج. وإذا أخذنا إنتاج عام 2018 معا لتلك الشركات فإنه لن يرتفع إلا بنسبة 9 في المائة مقارنة بمستويات العام الماضي. ولا تعني الزيادة الحادة في الإنتاج في الآونة الأخيرة أن إنتاج النفط الصخري سيرتفع بمعدل ثابت طوال هذا العام.
في الحقيقة ليس هناك إجماع حول مدى قوة نمو إنتاج النفط الصخري. لقد ارتفعت مخاوف صناديق التحوط ومديري الأموال الآخرين من زيادة إنتاج النفط الأمريكي / عدم انضباط المنتجين، خاصة بعد الزيادة الحادة في عدد منصات الحفر في الأسبوع الماضي. في هذا الجانب، قال محللو "جولدمان ساكس" إنهم تلقوا بعض الانتقاد من المستثمرين والمستهلكين الرئيسين للطاقة بسبب توقعاتهم التصاعدية. وأضافوا أن كثيرا من المستثمرين الذين التقوا بهم خصوصا في آسيا لم يقتنعوا بتوقعات البنك المتفائلة بشأن نمو الطلب على النفط، كما أنهم يشعرون بالقلق من أن منظمة أوبك ستقوم برفع الإنتاج تدريجيا، وأنهم لا يزالون غير مقتنعين بأن يستمر منتجو النفط في الولايات المتحدة في ضغط النفقات. ولكن البنك حافظ على توقعاته، مستشهدا ليس فقط بتوجيهات النفقات الرأسمالية / الإنتاج من شركات النفط الصخري، ولكن لاحظ أيضا أن بيانات الحفر الأخيرة يمكن أن تكون حالة فريدة لمرة واحدة بسبب طريقة الإبلاغ عن البيانات. وعموما، يعترف "جولدمان" أنه إذا كانت توقعات الإنتاج الخاصة بهم خاطئة، عندها ستتحول المخاطر إلى الاتجاه الصعودي. ولكن البنك الاستثماري لم يتخل عن معظم توقعاته التصاعدية لأسعار النفط في هذا العام.

إنشرها