Author

هل نرى شرائح ومعامل توطين مهني؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

معروف أن منشآت بلادنا صغيرها وكبيرها استقدمت خلال عشرات السنين الملايين من الوافدين للعمل، حتى أصبح تشغيل منشآت القطاع الخاص معتمدا على هؤلاء المستقدمين. وقد جاء التنبيه عبر السنين على عيوب الاستقدام في بلادنا. والكلام طبعا عن استقدام وفق النظام. ولكن لم يعط هذا التنبيه اهتماما كافيا في الماضي. ولا شك أن أبناء وبنات أي وطن هم أولى بوظائفه من غيرهم. هذه حقيقة، ليست مجالا للجدال والأخذ والرد. ومن ثم فالنقاش ليس على المبدأ وإنما على كيفية الوصول إليه، بأفضل حل ممكن.
ويعرف القراء أن الجهات ذات العلاقة وضعت أخيرا قرارات تستهدف الحد من عيوب الاستقدام. وهنا تعليقات على هيئة نقاط مختصرة لأن المجال لا يتيح الفرصة للتفصيل.
النقطة الأولى صحيح أن كثيرا من الأفراد والمنشآت قد أنفقوا الكثير وشغلوا ملايين من الوافدين بوسائل وطرق مخالفة للنظام. لكن يجب ألا نغفل عن أن كثيرين أيضا أنفقوا الكثير وشغلوا ملايين من الوافدين بوسائل وطرق نظامية. والجري وراء المصلحة بما لا يخالف القوانين والأنظمة أمر طبيعي متوقع في السلوك، لا يلام عليه من يمارسه أفرادا ومنشآت، سواء في بلادنا أو في أي بلد على وجه الأرض.
ليس من المناسب ولا من العدل أن يجري الإيقاف أو الحد بصورة لا تراعي تقليل أضرار التطبيق قدر الإمكان. وهذا يعني تحسين طريقته وكيفيته. وتستند هذه النقطة إلى مبدأ أن درء المفاسد أو المضار مقدم على جلب المنافع. هذه قاعدة شرعية وعقلية. بمعنى إذا أريد تطبيق نظام يحقق فائدة فيجب ألا نغفل عما هو أهم وهو درء ما يسببه من أضرار على كثيرين ليسوا مخالفين لأنظمة سادت عشرات السنين.
تخيل الصورة التالية: ثلاثة محال / معارض متشابهة في مساحاتها وفي تكاليف تأسيسها. صاحب الأول وظف ثلاثة وافدين دون تستر، أي أن الربح والخسارة لصاحبه. والمحل الثاني تستر فيه مواطن على ثلاثة وافدين ومحل ثالث "مجرد تخيل" وظف صاحبه مواطنين اثنين وعاملا وافدا. ورغبة منه في تحفيز موظفيه المواطنين بالانضباط والعمل دون غياب كما تعمل المحال الأخرى في السوق، فقد أعطاهم رواتب وميزات جيدة نسبيا. طبعا من النتائج ارتفاع تكاليف اليد العاملة لديه. السؤال هل يستطيع أن يستمر في تشغيل محله، ومنافسة المحال الأخرى؟ مستبعد ذلك. حسنا، ما البديل؟ رفع الأسعار بما يحقق له ربحا معتدلا. لو فعل ذلك فهل سيشتري منه المواطنون؟ مستبعد ذلك أيضا. لأن كل واحد ينظر إلى أن مصلحته أهم من مصلحة صاحب المحل.
يمر الاقتصاد السعودي بحالة ركود تضخمي: ضعف نمو مصحوبا بارتفاع التكاليف ما وقع أو يتوقع منه رفع الأسعار. والأصل أن الركود معه انخفاض الأسعار. ولكننا نمر بحالة عكسية يعني ركود مصحوب بارتفاع الأسعار، وبعض هذا الرفع مبرر بسبب ارتفاع التكاليف. ولكن الخروج من هذه الحالة أصعب كثيرا من حالة ركود دون ارتفاع أسعار، أو ارتفاع أسعار دون أن يصاحبه ركود. بمعنى، أنه لو اتخذت قرارات ترفع التكاليف خلال الطفرة ونمو الإنفاق الحكومي لكان تأثيرها غير المرغوب فيه أقل.

التوطين شيء والتنمية الاقتصادية شيء آخر
لاحظت أن كثيرين يخلطون بينهما. ولكن التوطين شيء، وتحول الاقتصاد من نام إلى متطور شيء آخر. وتحقيق الأول التوطين لا يلزم منه تحقيق الثاني التحول. وللتوضيح، تعتمد القطاعات الخاصة في دول العالم "باستثتاء دول مجلس التعاون" على مواطنيها، ولكن هذا الاعتماد لا يجعل اقتصاداتها متطورة. بل معروف أن دولا قليلة استطاعت أن تتحول من اقتصاد نام إلى اقتصاد متطور، والتي لم تتطور، فإن أسباب فشلها أوسع وأعمق من قطاعاتها الخاصة. بل لنا أن نقول إن عيوب القطاع الخاص هي في بعضها نتيجة لأوضاع قائمة. أي أنها ليست وحدها السبب في وجود هذه الأوضاع. وعلماء التنمية وبرامج التحول الاقتصادي متفقون على أن الدور الأكبر على السلطة في إصلاح الاقتصاد غير المتطور.

مقترحان باختصار شديد
أولا: ينبغي التوسع في شرائح نسبة السعودة اعتمادا على عوامل موضوعية كثيرة، قابلة لأن تعدل مع الوقت، بدلا من حصرها "مثلا" في شريحتين أقل من النصف والنصف فأكثر لكل المنشآت.
ثانيا: مقترح وضع جدول مفصل ومدروس جيدا يراعي مدى سهولة أو صعوبة التوطين حسب طبيعة المهن والنشاط. ولنسمه جدول معامل السعودة المهني. يرتفع رقم المعامل كلما توافر للمهنة مواطنون ويصغر رقم المعامل كلما كان العكس. لنفترض أن أعلى رقم عشرة ويعني أسهل وأقرب مهن للتوطين، وأن أقل رقم 1 ويعني أصعب مهن للتوطين حاليا. تطبيقيا، يعطى أصحاب التخصصات الجامعية حديثو التخرج مثل الأطباء العامين أو المهندسين تخصص كذا أو المحاسبين أو ... إلخ يعطون رقم عشرة وينخفض إلى تسعة أو أقل حسب معايير موضوعية مثل عدد سنوات الخبرة ونوعيتها وهكذا. ويستمر الرقم نزولا كلما كان توطينها حاليا أصعب، بما في ذلك المهن المعروف عزوف السعوديين عنها. ولا يعني ذلك إغلاق باب التوطين فيها ولو جزئيا، وإنما القصد تفهم أن الوقت المطلوب للتوطين ونسبة التوطين يتفاوتان حسب المهن والخبرة والنشاط. ويجب أن ينعكس هذا التفاوت على قدر الرسوم، وتواريخ زيادتها مع السنين. باختصار يتدرج رفع الرسوم حسب معامل السعودة المهني. أما جعل نظام واحد لا يراعي نوعية وطبيعة المهن فلا. والموضوع يتطلب تفاصيل لا يتيح المقام الدخول فيها.

إنشرها