أخبار اقتصادية- عالمية

حرب باردة بين الدولار واليوان في سوق العملات .. واليورو الفائز الأكبر

حرب باردة بين الدولار واليوان في سوق العملات  .. واليورو الفائز الأكبر

لم يمنع الشعور بالقلق والتوتر الداخلي الذي يسيطر حاليا على سلوك كبار المضاربين العالميين في سوق العملات، لم يمنعهم من مواصلة مضارباتهم على مختلف العملات، ولكنه حد إلى حد كبير من رغبتهم في تكثيف مضاربتهم، وتبنيهم منهجا أكثر حذرا في التعامل.
عوامل متعددة قد تكون وراء ذلك الوضع، أبرزها وأهمها ما يصفه البعض "بالحرب الباردة" في سوق العملات الدولية، حيث يشعر الجميع بمخاوف حقيقية من انفجار الوضع في أية لحظة ويتهيئون لحرب معلنة وشرسة لا هوادة فيها.
جاك جوبر أحد المضاربين على العملات في الأسواق البريطانية يصف الوضع لـ "الاقتصادية" بقوله، إن "الحرب الباردة الراهنة في سوق العملات، خاصة بين اليوان الصيني والدولار الأمريكي، لم تنفجر حتى الآن لأسباب سياسية فقط، ولكن اقتصاديا فإن العوامل كافة متاحة لتفجير الوضع، وعندما تفشل السياسة في احتواء الوضع، فإن الاقتصاد سيأخذنا حتما إلى حرب عملات حقيقية".
ويعتقد بعض الخبراء أن مواصلة الدولار الأمريكي خسارة مركزة، باعتباره العملة الاحتياطية الأولى في العالم لصالح اليوان الصيني، وقيام دول مثل الصين وروسيا وفنزويلا بتحركات استراتيجية لتجاوز الدولار لصالح عملات أخرى، يعزز من إمكانية اتجاه العالم إلى حرب عملات حقيقية.
لكن الدكتورة ماري جولدرين الخبيرة الاقتصادية في مجال التجارة الدولية، تعتقد أن أخطر التحركات التي تعزز الانتقال من مرحلة "الحرب الباردة" إلى صراع تجاري دموي جراء التدخل الحكومي في تسعير العملات، يمكن أن يحدث نتيجة المواقف الصينية.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "إذا اتخذت الصين قرارها بتسعير النفط باليوان بعقد مستقبلي جديد مدعوم بالذهب، فإن ديناميكيات الاقتصاد الدولي ستتغير، فالبترو يوان الذي تستعد الصين لإطلاقه في وقت لاحق من هذا العام، سيهدد في النهاية الدولار الأمريكي كسيد عملات العالم، وإذا شعرت واشنطن بذلك فإنها ستطلق كل ما في جعبتها من أسلحة لإعادة الوضع إلى سابق عهده، والإطاحة باليوان، وهذا لا يمكن أن يتم دون حرب تجارية عنيفة، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية الراهنة لن تتردد بتاتا في شن حرب عملات إلى أقصى مدى للحفاظ على مكانة أمريكا الاقتصادية".
ومن نافلة القول، إن الصين تتطلع بالفعل إلى اتخاذ خطوات كبيرة ضد ما تعتبره هيمنة عالمية للدولار، فهي أكبر دائن للولايات المتحدة، وأكبر مستورد للنفط، وتقوم بدور متزايد في أسواق الذهب العالمية، وتحصل على دعم روسي لاستخدام البترو يوان في تسعير النفط، وتنال دعما دوليا متزايدا من عدد كبير من الدول في تحديها للاقتصاد الأمريكي، وتحديدا الدولار، لكن هل يعني ذلك أن اليوان سيهزم الدولار سواء بالضربة القاضية أو بعدد الجولات في المعركة التي يعتبرها البعض انطلقت بالفعل؟
يتفق معظم الخبراء والمختصين بأن حرب العملات قائمة ولكن في حدود، لكن اتفاقهم هذا لا يعني توافقهم على من سيحظى بالفوز النهائي في تلك المعركة.
جوردن جودمان الخبير الاستثماري يعتقد أن الدولار سيهزم اليوان في نهاية المطاف، ولكنه سيخرج من المعركة بخسائر فادحة، ربما تؤثر فيه كاحتياطي لعملات العالم، ولكن تراجعه لن يصب في صالح الصين، وإنما في صالح حلفاء واشنطن وعلى رأسهم اليابان ومنطقة اليورو.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه لا أحد يستطيع إنكار أن الاقتصاد الصيني يتقدم للأمام، وبالطبع معه اليوان، ولن تفلح واشنطن في مواجهة العملة الصينية إلا عبر تشكيل تحالف دولي من الاقتصادات الموالية لها، وفي الحقيقة فإن التحالف الذي ستقوده واشنطن سيكون امتدادا لتحالفها السياسي، وستصبح اليابان أول حلفاء واشنطن في معركة حرب العملات، فلا يوجد أي مصلحة حقيقية لطوكيو في أن تشاهد الصين تنتزع صدارة الاقتصاد العالمي.
ويعتقد جودمان أن الحليف الثاني لواشنطن في تلك المعركة سيكون بريطانيا، ولكنه حليف يصعب التعويل عليه كثيرا، فلندن تغادر الاتحاد الأوروبي وسط مصاعب اقتصادية مقبلة في الطريق، وستكون في حاجة إلى الأسواق الصينية بشدة، ولذلك فإن مدى دعمها لواشنطن سيكون مرتبطا باستعداد الولايات المتحدة لتلبية الكثير من الطلبات البريطانية، وفي مقدمتها توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، أما الحليف الثالث فسيكون الاتحاد الأوروبي، الذي تعود مشاركته بالأساس إلى قلق بعض العواصم الأوروبية من التعاون الروسي الصيني في مواجهة الدولار، فهزيمة الدولار تعني نسبيا هزيمة اليورو؟
ويشير جودمان إلى أنه إذا خرج التحالف الأمريكي منتصرا في مواجهة الصين، فإن الدولار سيخرج مستنزفا بشكل كبير من المعركة، وسيفتح ذلك الباب لعملات حلفائه مثل الين الياباني واليورو الأوروبي إلى تعزيز مواقعهم في التجارة الدولية، وفي احتياطات العملات الأجنبية في العالم.
ويلقي بعض خبراء التجارة الدولية في المملكة المتحدة بمسؤولية حرب العملات إذا اندلعت على الإدارة الأمريكية، ويرون أن واشنطن تعمل بشكل متعمد على خفض قيمة الدولار لتعزيز تجارتها الدولية، وخفض العجز التجاري مع منافسيها خاصة الصين، وتعتقد مجموعة ملحوظة من هؤلاء الخبراء أن المعركة المقبلة من حرب العملات، ستسفر عن تفوق العملة الصينية على نظيرتها الأمريكية.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور كابلن تيلر أستاذ الاقتصاد المقارن، أن"عملة أي اقتصاد مرآة حقيقية لقوة هذا الاقتصاد، والاقتصاد الصيني آخذ في النمو بمعدلات مرتفعة للغاية، وهناك تحولات جوهرية في المسيرة الاقتصادية للصين، بحيث تشير أغلب التوقعات إلى أن الاقتصاد الصيني سيتفوق على الاقتصاد الأمريكي في العقود الثلاثة المقبلة، ولهذا فإن قوى السوق ستدعم تلقائيا العملة الصينية في مواجهة نظيرتها الأمريكية".
ويضيف تيلر: "قد تنجح إدارة أمريكية ما في عرقلة مسيرة الصين لبعض الوقت من خلال تبني إجراءات شديدة العدوانية، أو ممارسة ضغوط اقتصادية حادة، لكن يصعب القول بأنها ستفلح في منع الصين من الوصول إلى قمة الاقتصاد الدولي، ولهذا فإن اليوان قد يخسر جولة هنا أو هناك، ولكن على الأمد الطويل المعركة محسومة لصالحة في مواجهة الدولار.
ومع هذا، فإن أنصار الدولار الأمريكي من الاقتصاديين البريطانيين يرفضون وجهة النظر تلك، ومن هؤلاء بن بيكر الاستشاري في مجموعة "لويدز" المصرفية، حيث يرى أنه "على الرغم من أهمية الصين المتزايدة في الاقتصاد العالمي، والتدابير الاستراتيجية التي تتخذها لدعم عملتها، إلا أن استخدام اليوان دوليا ما زال منخفضا، وسرعة تبنيه على المستوى الاقتصادي الكوني لا تزال أقل مما كان متوقعا".
ويدعو بن بيكر إلى التفريق بين اضطرار بعض الدول إلى استخدام اليوان، وإلى الإقبال الطوعي على استخدامه كما يحدث في عملات كالدولار واليورو، ويؤكد أن اللبنات الأساسية لتدويل اليوان موجودة، ولكن الحصول على دعم الحكومات المحركة للاقتصاد العالمي لتعزيز مكانة اليوان قد يكون صعبا، كما أن القطاع الخاص لا يظهر تفضيلا في الانحياز لليوان كعملة تسوية للمدفوعات.
ويرجع بن بيكر ذلك إلى أن الحكومة الصينية وضعت ضوابط قوية على نظامها المالي، ولا سيما التدابير التنظيمية لوقف حركة رؤوس الأموال التي تتحرك في اتجاه الخارج، ويتوقع أن تتواصل تلك الضوابط الرأسمالية والتنظيمية لبعض الوقت، وهو ما يدفعه إلى توقع ألا تحظى الجهود الصينية بتعزيز وضعية اليوان الدولية عن طريق تقييم أسعار النفط باليوان، بالنجاح الذي تعول عليه بكين.
ووسط أجواء تلك الحرب الباردة بين الدولار واليوان، فإن آخرين ينظرون إليها من منطلق الفائدة التي يمكن أن تعود عليهم، ويعد اليورو واحدا من العملات التي قد تستفيد بشكل ملحوظ من اندلاع تلك الحرب، صحيح أنه بطبيعة الحال ستتعرض اقتصادات منطقة اليورو لخسائر نتيجة النيران المتبادلة بين الدولار واليوان، إلا أن المستثمرين الأوروبيين يبدون اليوم أكثر تفاؤلا.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور آندروز روماني أستاذ الاقتصاد الأوروبي، إنه "رغم قلق البعض من أن الدولار الضعيف يجعل اليورو قويا جدا ولذلك عواقب سلبية على أرباح الشركات الأوروبية والنمو الاقتصادي، إلا أن قناعة مراكز صنع القرار المالي في القارة الأوروبية وتحديدا منطقة اليورو، تتمثل في أن الولايات المتحدة اكتسبت اليد العليا في الحرب الباردة الدائرة في سوق العملات، فتوازن القوى بين الولايات المتحدة والصين لا يزال اقتصاديا في صالح واشنطن، والرئيس الأمريكي دونالد ترمب لديه العصا الأكبر التي تتمثل في تهديده الدائم بالحمائية الاقتصادية".
ويضيف روماني أن "الديناميكية الضعيفة للدولار ستظل قائمة لبعض الوقت، فقد أثبت ترمب جديته في تنفيذ تهديدات الحمائية، ففرض تعرفة جمركية 20 في المائة على الغسالات المستوردة، و30 في المائة على الألواح الشمسية، وتلك التعرفة تمس الصين وكوريا الجنوبية، ولهذا سيظل الضغط الناجم عن ضعف الدولار ضئيلا على اليورو".
ويستدرك روماني قائلا إن "الولايات المتحدة ستفوز في الحرب الباردة للعملات، وإذا أحسنت أوروبا اختيار الطريق عبر تعزيز اتحادها الاقتصادي والنقدي فسيخرج اليورو فائزا بشكل قد يقلق الدولار".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية