FINANCIAL TIMES

هل تفوق «صبي الصواريخ» بألاعيب دبلوماسية الأولمبياد؟

هل تفوق «صبي الصواريخ» بألاعيب دبلوماسية الأولمبياد؟

كيم جونج أون، رجل مجنون، إنه ديكتاتور لا يمكن السماح له بالتحكم في الزر النووي. لا معنى للحديث عن الاحتواء والردع. هذه الاستراتيجيات تكون فاعلة عندما يكون الخصم إنسانا عاقلا. من يمكنه قول ذلك حول كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية؟
هكذا تسير الرواية في واشنطن. قلة من الناس هم الذين يمكن أن يختلفوا في أن كيم يترأس أحد الأنظمة الأكثر قمعية واللاإنسانية في العالم. استنادا إلى معظم المعايير، ربما يكون هذا هو الأسوأ - لاحظ ملايين وهم يعانون الجوع من أجل الهاجس النووي والقمع الوحشي لكل من يفكر أدنى تفكير في المعارضة.
على الرغم من كل ذلك، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ. فقد خلطت بين القسوة الشديدة وبين عدم الاستقرار العقلي. يعلم كيم ما الذي يفعله. وكذلك الحاشية التي تحيط به.
في الخريف الماضي، التقى وفد من المسؤولين في كوريا الشمالية مع مختصين غربيين في الدفاع والسياسة الخارجية في اجتماع مغلق في سويسرا - الاجتماع الأحدث في عدد من المحاولات السرية، وبالتالي التي يمكن إنكارها على مدى سنوات لاستكشاف آفاق لإنهاء المواجهة النووية بين بيونج يانج والمجتمع الدولي.
كان الكوريون الشماليون غاية في التصلب. كيم كان يعتزم تركيب رأس حربي نووي على صاروخ باليستي عابر للقارات. لم تكن هنالك وسيلة أخرى لصرف "العدوان" الأمريكي. وبيونج يانج لن تخضع أبدا للعقوبات الدولية، وهو موضوع كان لدى الدبلوماسيين الكوريين بعض الكلمات لقولها لروسيا والصين إضافة إلى الولايات المتحدة.
انفض هذا الاجتماع الأخير في جمود قاتم، على الرغم من أنه لم ينته إلا بعد أن كان قد لاحظ الغربيون كيف أن الجمل التي استخدمها محاوروهم تحدت القوالب النمطية المألوفة. لقد كانوا أشخاصا أذكياء.
لسوء الحظ، يبدو دونالد ترمب أكثر ارتياحا من خلال النظر إلى خصومه وكأنهم رسوم كرتونية. يتخلى الرئيس الأمريكي عن الدبلوماسية مقابل وابل من التغريدات.
"صبي الصواريخ" هي العبارة التي يستخدمها ترمب في وصف زعيم كوريا الشمالية. "الزر لدي أكبر من الزر الذي لديك" هي العبارة التي يتبجح بها بشأن الترسانة النووية لكلا البلدين.
في الآونة الأخيرة، أطلق ترمب على كيم لقب "الجرو المريض". تطلق بيونج يانج العبارات الخاصة بها - الرئيس الأمريكي بـ "الخروف". رغم هذا العراك، هناك من يرى تفوقاً لكيم على خصمه في جولة أو أكثر، على الأقل.
كلما كان صوت ترمب أعلى، أصبح ادعاء كوريا الشمالية أكثر قبولا بأن برنامجها النووي هو سياسة تأمين ضرورية ضد خطة الولايات المتحدة في تغيير النظام.
حتى قبل أن يصل ترمب إلى البيت الأبيض، كانت أمريكا والعالم لا يزالان يدفعان ثمن خطاب الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش "محور الشر". قرار الطاغية زعيم كوريا الشمالية المستبد والمتمثل في إرسال وفد رفيع المستوى مكتمل مع المشجعين، إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية في مقاطعة بيونجتشانج، وهو ما تم الاعتراف به على نطاق واسع بأنه بمنزلة انقلاب.
الوضع كان أكثر من ذلك. لقد كان درسا فائقا في الدبلوماسية الدولية من خلال كسب الوقت، قدم حجة أقوى لمطلب كيم في الحصول على صواريخ نووية ذات نطاق طويل المدى.
كان الهدف شفافا - وهو وضع حاجز ما بين واشنطن وسيئول وتقديم صورة ذات طابع إنساني أكثر لكوريا الشمالية أمام العالم أجمع. من خلال إرسال شقيقته كيم يو جونج جنبا إلى جنب مع رئيس الجمهورية الصوري كين يونج نام، ضمن زعيم كوريا الشمالية تغطية كاملة في وسائل الإعلام الدولية.
لم تصدر السيدة كيم أي تصريح علني، لكنها ابتسمت في اللحظات المناسبة - في تناقض صارخ مع الوجه المكفهر لمايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي.
كان البيت الأبيض قد قدم هدفا مفتوحا. فقد وصل بينس إلى سيئول وهو مصر على أن واشنطن لن تجري مفاوضات إلا إذا أوقفت بيونج يانج برنامجها النووي. وغادر وهو يقول إن الولايات المتحدة ستدخل في محادثات دون شروط مسبقة. قبل فترة ليست طويلة، كان ترمب يعد بإنزال "الغضب والنار" على بيونج يانج. الآن، يدرس رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي-إن، ما إذا كان يريد قبول الدعوة لحضور قمة مع كيم في الشمال.
لا تخضع سيئول لأي أوهام تتعلق بطبيعة النظام في كوريا الشمالية. ولن ينخدع الشعب الكوري الجنوبي بمناورة الألعاب الأولمبية، لكنهم يعلمون أيضا أن كيم لديه القدرة، بحسب كلمات ترمب، على إنزال الغضب والنار على كوريا الجنوبية.
دبلوماسية بيونج يانج، على الرغم من أنها تبدو ساخرة بشكل كلي، عملت على طمس بعض الخطوط. طالما يجري الجانبان محادثات، يواجه ترمب ضغوطا دولية وإقليمية مكثفة، لكيلا يضغط على الزر. لا تحظى كوريا الشمالية بكثير من الأصدقاء من بين حلفاء أمريكا، لكن ترمب أضاع كل الدعم الدولي الذي ربما كان قد حصل عليه لإجراء ضربة عسكرية.
كوريا الشمالية، من جانبها، كانت تعمل على إيجاد حقائق على أرض الواقع. يرغب كيم في الاعتراف ببلده كدولة ذات سلاح نووي، قبل استعداده الجدي لإجراء مفاوضات. الأشهر القليلة التي كانت خلالها كل من كوريا الشمالية وواشنطن على خلاف، ربما تكون قد منحته الوقت الذي يحتاج إليه.
لا يزال باستطاعة ترمب شن هجوم وقائي، وربما يبالغ كيم في استعراض عضلاته فوق طاقته، لكن ليست هنالك خيارات عسكرية جيدة. المختصون المطلعون على خطط البنتاجون يقولون إن الطريقة الوحيدة المؤكدة لتجنب انتقام كوريا الشمالية من كوريا الجنوبية، قد تكون ضربة أولى نووية أمريكية ضخمة. وهذا أمر لا يمكن تصوره، وأي أمر آخر سيكون خطيرا.
ليست هنالك نهاية جيدة لهذه القصة. الصين غير مستعدة للمخاطرة بانهيار النظام الكوري الشمالي من خلال العقوبات. لذلك يجب أن تكون الاحتمالات هي أن بيونج يانج ستحصل على صواريخها، مع كل المخاطر التي تترتب على مزيد من الانتشار.
وقد يترتب على ذلك أن تُترَك الولايات المتحدة مع خيار الاحتواء والردع. القبول بأن كيم ليس برجل مجنون، سيكون أقل نوع من المواساة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES