FINANCIAL TIMES

انتعاش مصارف البر الصيني مع فورة البورصات

انتعاش مصارف البر الصيني مع فورة البورصات

انتعاش مصارف البر الصيني مع فورة البورصات

بعد سنوات من تجنب مصارف الصين باعتبارها رمزا لمشكلات البلاد التي تعاني ديونا زائدة وإسرافا في الإنفاق، يلجأ المستثمرون مرة أخرى إلى جهات الإقراض في البر الرئيسي، وسط دلائل على أن الربحية آخذة في الانتعاش، وأن حالات الإعسار أصبحت تحت السيطرة.
ارتفع مؤشر خاص بالمصارف الصينية مدرج في بورصة هونج كونج بنسبة 7 في المائة لهذا العام - حتى بعد انخفاضه الحاد في الهزيمة التي تعرضت لها السوق العالمية الأسبوع الماضي - مقارنة بارتفاع نسبته 2 في المائة في مقياس لجميع الفئات المتداولة بشكل رئيسي في هونج كونج.
يقول المحللون "إن الارتفاع في أسهم المصارف هو علامة على التحسن الأوسع نطاقا في المشاعر نحو اقتصاد الصين منذ أواخر عام 2016، عندما كان النمو آخذا في التباطؤ وسط انكماش راسخ"، وكانت سوق الأوراق المالية وسعر صرف الرنمينبي آخذة في الارتفاع وهرب رؤوس الأموال كان شائعا. مثل هذا التشاؤم حفز سلسلة من التداولات الفاشلة "للتداول على المكشوف على الصين" منذ عام 2011.
في الوقت الذي لا يزال يرى فيه المستثمرون أن المشكلات كامنة، إلا أنهم أكثر ثقة الآن بأن صناع السياسة لديهم الأدوات اللازمة لتهدئة الوضع، قبل أن تشعل المخاطر التي تمس النظام المالي بأكمله. وقد أضافت حملة تقليص المديونية القوية بشكل متزايد إلى تلك الثقة.
يقول هاو هونج، رئيس البحوث في شركة بوكوم الدولية في هونج كونج "تحسن المزاج العام للاقتصاد الصيني. وتوافق الآراء يبدو أنه يوحي بأن الحكومة أصبحت قادرة بشكل كلي".
كما عملت مؤشرات الجودة الائتمانية على تعزيز التفاؤل أيضا، فالأرقام الصادرة يوم الجمعة من الأسبوع الماضي أظهرت أن نسبة القروض الكلية المتعثرة لدى المصارف الصينية بقيت ثابتة عند نسبة 1.74 في المائة على مدى خمسة فصول على التوالي، بعد الارتفاع في كل فصل على مدى أكثر من أربع سنوات حتى مطلع عام 2016.
مع تراجع الخوف من المخاطر النظامية، تيقظ المستثمرون مرة أخرى لمسألة ربحية المصارف في الصين.
تقول جين نينج، مديرة صندوق في شركة فيديليتي الدولية، "إن المصارف الصينية الكبرى هي الأرخص في العالم، وفقا لعدد من المقاييس بما فيها أسعار أسهمها بالنسبة إلى قيمها الاسمية".
عموما، بلغ معدل عائدات الأسهم 13.9 في المائة في العام الماضي، منخفضا من أصل 21.9 في المائة في عام 2011 - عندما أعرب رئيس مجلس الوزراء آنذاك وين جياباو عن أسفه من أن المصارف الصينية "تجعل أرباحا سهلة جدا فوق الحد" - لكنها لا تزال بعيدة نوعا ما عن المستوى الذي وصلت إليه المصارف الأمريكية بنسبة 9.4 في المائة، خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الماضي.
على الرغم من هذه الفجوة، حققت المصارف الصينية المدرجة في هونج كونج نسبة سعر إلى القيمة الدفترية بمعدل 0.95 في المائة اعتبارا من إغلاق يوم الجمعة، أقل بكثير عن النسبة التي حققتها المصارف المدرجة في الولايات المتحدة، التي بلغت 1.5 في المائة.
وقد عملت الجهود المبذولة لتقليص الرفع المالي على إبطاء نمو الميزانيات العمومية الخاصة بالمصارف، لكن من نواح أخرى عملت على تعزيز الربحية.
وقد عمل تشديد شروط الائتمان على زيادة قوة التسعير المفروضة على القروض، ما أدى إلى توسيع هوامش المصارف.
ارتفع هامش الفائدة الصافي - وهو مقياس للفرق ما بين ما تدفعه المصارف للودائع وما تحصل عليه من خلال القروض - على مدى أربعة فصول متتالية عقب خمس سنوات من التراجع المتسق.
كما تحسنت كفاية رأس المال أيضا، خاصة ما بين جهات الإقراض الصغيرة وذات الحجم المتوسط التي يغلب على عملائها أن يكونوا أقل جدارة للحصول على الائتمان، من تلك المصارف الكبيرة الأربعة المملوكة للدولة - بنك الصين التجاري والصناعي، وبنك الإعمار الصيني، وبنك الصين الزراعي، وبنك الصين.
جمع المقرضون الصينيون 861 مليار رنمينبي "137 مليار دولار" من رأس مال الأسهم الجديدة ما بين عامي 2014 و2017، وفقا لتقديرات وكالة يو بي إس، معظمها من خلال تعاملات مع مصارف أصغر حجما وغير مدرجة.
تقول السيدة نينج في فيديليتي "بدأنا أيضا نشهد تحسنا في ميزانياتها العمومية". كما تستشهد بالنجاح النسبي الذي حققته إصلاحات بكين التي "استهدفت تلك الشركات التي كانت بعضا من أكبر المذنبين، في وجود تلك القروض المتعثرة في الميزانيات العمومية لتلك المصارف".
مع ذلك كله، يحذر بعض المحللين من أن هذا التفاؤل قد يكون أمرا عابرا، حيث من المرجح أن يتباطأ اقتصاد الصين هذا العام بعد أن حقق نموا قويا بشكل غير متوقع في العام الماضي.
بعد طفرة ازدهار دامت عامين، سوق الإسكان آخذة في التراجع، ومن المحتمل أن يؤدي إلى خسائر في الحركة الأخيرة من القروض العقارية.
والجهود التي تبذلها بكين لخفض القدرة الإنتاجية الفائضة والتخلص من "الشركات المتعثرة" قد تعزز حالات الإعسار التي تتعرض لها الشركات.
الآفاق غير واضحة تماما بالنسبة إلى المصارف الأصغر حجما، التي ستتحمل أيضا عبء اللوائح الجديدة الصعبة، التي تستهدف المخاطر الناجمة عن خدمات مصارف الظل.
المصارف مارست ضغوطها للتخفيف من تلك القواعد منذ أن تم إصدار مشروع القانون في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ومع ذلك أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن النسخة النهائية ستعمل على إطالة فترة التنفيذ لتصل إلى ستة أشهر، لكنها لن تشمل إجراء تعديلات كبيرة.
يقول هو وينهاي، المحلل المصرفي في شركة نورث إيست للأوراق المالية في شنغهاي "الهجوم الذي تشنه تلك القواعد الجديدة على السوق سيكون أكبر مما يتصوره الناس. الجميع يدرك أن موقف الجهات المنظمة صعب جدا".
المصارف الصغيرة ومتوسطة الحجم هي الأكثر عرضة للتعليمات الجديدة، لأنها تعتمد اعتمادا كبيرا على مبيعات ما يسمى بمنتجات إدارة الثروات لاجتذاب أموال العملاء. تقوم المصارف بتسويق هذه المنتجات للأسر المعيشية والشركات، كبديل مرتفع العائدات للودائع التقليدية.
في المقابل، تتمتع المصارف الأربعة الكبرى بتمويل ودائع رخيص بفضل شبكاتها الكبيرة من الفروع الموجودة في كل مكان.
منعت القواعد التي وضعت أخيراً المصارف من بيع تلك المنتجات التي تقدم "عائدات متوقعة"، التي يراها المستثمرون على نطاق واسع أنها ضمان مخفي.
على الرغم من أن معظم منتجات إدارة الثروات لا تنطوي على أي ضمانات رسمية، غالبا ما تعرضت المصارف لضغوطات من أجل إنقاذ المستثمرين في مجال تلك المنتجات عندما تعاني الأصول الأساسية الخسائر.
ترغم اللوائح الجديدة تلك المنتجات على أن تتحول إلى صناديق استثمار تقليدية من خلال نشر صافي قيمة الأصول في كل يوم، ما يقلص من إمكانية التعرض لإعسار مفاجئ يمكنه استثارة مخاطر نظامية.
مع ذلك، ستؤدي إزالة "العائدات المتوقعة" أيضا إلى جعل بيع المنتجات أمرا أكثر صعوبة، ما يعرقل قدرة بعض المقرضين على جمع الأموال.
في الوقت الذي سيكون فيه التعديل أمرا صعبا، رحب مراقبو الصناعة على الأغلب بتلك التغييرات، بعد سنوات من الإجراءات التدريجية التي فشلت في المعالجة الجوهرية للمخاطر المتزايدة الناجمة عن مصرفية الظل.
يقول تشيانج لياو، المدير الأول لمصارف الصين في مؤشر ستاندرد آند بورز في بكين "هنالك رأي متزايد يسود ما بين المستثمرين مفاده أن تشديد السياسات قد يعود بكثير من الفائدة على قدرة المصارف الصينية على المدى الطويل، على الرغم من أن الجميع يعلم أنه سيكون لها تأثير سلبي قصير الأجل في أدائها".


إطار
موثوقية أرقام القروض الصينية المعدومة
في حين إن الأرقام الرسمية تبين هبوطا في حالات الإعسار، إلا أن كثيرا من المحللين يشعرون بالتشكك، حيث يلاحظون أن المصارف الصينية تستطيع ترحيل القروض التي بلغت تاريخ استحقاقها، أو تحويل الأصول الرديئة خارج الميزانية العمومية لتزويق النسب التي تتطلبها الأنظمة.
مع ذلك، هناك قلة فحسب ترفض الانتعاش العجيب الذي حدث السنة الماضية في أرباح الشركات وسوق الإسكان القوية، وكلاهما يعزز من صدقية أرقام القروض المعدومة.
فضلاً عن ذلك، حتى الذين يرون أن مستوى القروض المعدومة أدنى من الواقع، يقرون أن خط الاتجاه العام هو مؤشر جيد لنوعية الائتمان.
النسب الأدنى هي أيضا علامة على تسارع في المبيعات وعمليات شطب الأصول من قبل المصارف الصينية. هناك عالم متوسع من المستثمرين في الديون المعتلة، بما في ذلك عدد من اللاعبين الأجانب، يعمل الآن جنبا إلى جنب مع المصارف الأربعة الكبرى المملوكة للدولة ذات القروض المعدومة، التي أنشئت في عام 1998 لتنظيف الميزانيات العمومية للمصارف.
مبادرة الحكومة لمقايضة الديون بالأسهم بدأت ببطء، لكن من المتوقع أن تتسارع خلال العام الحالي. السياسة تحظر مقايضة القروض غير المنتجة، لكن بعض القروض المعرضة لخطر الإعسار في المستقبل ستتم مقايضتها.
كيانج لياو، مدير أعلى مختص بالمصارف الصينية في بنك ستاندرد آند بورز في بكين، يتوقع أن ترتفع هذا العام نسبة الإبلاغ عن الديون المعتلة، لكن ليس بسبب تراجع في نوعية الائتمان الفعلي.
يقول "إن السبب هو أن المنظمين يضغطون بهدوء على المصارف من أجل تصنيف القروض بصورة أكثر صرامة، بعد سنوات من "التسامح التنظيمي" الذي سمح للمصارف بأن تتجنب الإقرار بمشكلاتها".
في علامة على هذا النهج المتشدد، قررت الهيئة التنظيمية للمصارف الصينية في الشهر الماضي تغريم فرع لبنك شنغهاي بودونج للتنمية، وهو مصرف متوسط الحجم، مبلغ 72 مليون دولار بسبب استخدامه شبكة من 1500 شركة وهمية لإخفاء القروض المعدومة.
يقول كيانج "الأداء الاقتصادي الذي كان أقوى من المتوقع مكَّن صناع السياسة من اتخاذ خطوات أكثر جرأة بشأن الاستقرار المالي. لو كان أداء الاقتصاد دون المستوى، فإني أتوقع أن تكون إجراءاتهم أقل نشاطا وتشددا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES