default Author

المعضلات الثلاث لعملية تجميع البيانات

|
يجب إعادة النظر في طريقة تعامل الشركات مع بيانات العملاء التي تملكها الشركة "أليكسا، هلا قمت بطلب مزيد من المحارم الورقية" "سيري: ضعي تذكيرا، للاتصال بالطبيب". "حسنا جوجل، قم بتشغيل إضاءة الرواق في الطابق العلوي". حان الوقت لنعود إلى أرض الواقع عقب الإثارة التي تسبب فيها نجاح العالم الرقمي في تسهيل حياتنا اليومية، من خلال المساعدين الافتراضيين وعديد من الأدوات والخدمات الأخرى. فبعد المرحلة الذهبية التي عشناها، باتت السرعة الفائقة للتطور الرقمي توجد المخاوف بشكل متزايد. حيث أصبح الحفاظ على حقوق الخصوصية وتنامي نفوذ عمالقة شركات التكنولوجيا الرقمية، من أكثر المواضيع التي تشغل المجتمع. صحا السياسيون في أوروبا لخطورة الموضوع. فبعد صدور قانون مبدئي في هولندا، ينص على الحد من ملفات الكوكيز التي تقوم بعض الشركات بتحميلها على القرص الصلب بجهاز المستخدم التي تقوم بجمع بعض المعلومات، من المقرر أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتنفيذ لائحة حماية البيانات العامة في 2018، ما يوفر للمواطنين في أوروبا مزيدا من الشفافية وخاصية حماية بياناتهم. يتم التعامل بحسم مع أنشطة الشركات الخمس الكبرى بما فيها "جوجل" و"فيسبوك"، فيما يتعلق بسوء استخدام بيانات العملاء على عدة أصعدة، بما في ذلك قوة السوق وسداد الضرائب ونشر الأخبار. ما دعا الاتحاد الأوروبي إلى استجوابهم وفرض غرامات عليهم، كما مثل عديد من التنفيذيين أمام الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية. نأمل في ظل هذه الإجراءات الوصول على المدى غير البعيد إلى عالم يتيح لنا إمكانية التحكم ببياناتنا الخاصة، وأن يتم استخدامها بشكل أفضل وذلك ضمن بيئة من المنافسة الرقمية العادلة، بدلا من الاعتماد على عمالقة الإنترنت لتحديد ما هو الأفضل. غير أن هذا كله يعتبر مجرد بداية، فإلى جانب قضية الخصوصية والقوة السوقية التي تتحكم فيها الشركات الخمس العملاقة، يوجد ثلاث معضلات أخلاقية أخرى تتعلق بالتكنولوجيا الرقمية بالكاد تم التطرق إليها حتى الآن، وينبغي للمؤسسات أخذها على محمل الجد حال رغبت في جنب الوقوع في أزمة ثقة. شراء البيانات السؤال الذي يطرح نفسه أولا: إلى أي مدى يمكن أن تتمادى الشركات عند شرائها البيانات؟ على سبيل المثال، تقوم بعض شركات تأمين السيارات بتقديم خصومات على رسومها حال قام عملاؤها بتزويدها بمعلومات حول سلوكهم في القيادة أو بيانات تحركاتهم. ففي المملكة المتحدة مثلا، يمكن للسائقين تثبيت جهاز تتبع الحركة في سياراتهم، ليقوم بتسجيل بيانات حول سلوكهم في القيادة، مقابل تخفيض أقساط التأمين. للوهلة الأولى تبدو هذه الصفقة عادلة، حيث يترتب على السائقين المتهورين دفع مزيد من المال. ولكن يعني ذلك أن الأشخاص من ذوي الدخل المحدود مجبرون لأسباب اقتصادية على مشاركة حياتهم الرقمية بأكملها لقاء الحصول على حسومات أو خدمات مجانية. عدا ذلك يمكن للخصوصية الرقمية أن تصبح مقتصرة على طبقة الأغنياء، كونهم الشريحة الوحيدة القادرة على تحمل أقساط تأمين أعلى ومخالفات سرعة مكلفة. نهاية التضامن الاجتماعي أما المعضلة الثانية فهي إلى أي مدى ستختلف المعاملة مع الآخرين حال كانت معلوماتهم الرقمية أكثر دقة؟ هل سيبقى الأشخاص الذين تعاني عائلاتهم أمراضا وراثية قادرين على الحصول على تأمين صحي أو تأمين على الحياة؟ هل ستفرض أسعار أعلى على العملاء الذين لديهم قدرة أقل على فهم العرض المطروح؟ يعتبر تضامننا مع الآخر من دعائم المجتمع الحديث، ومن المرجح أن يحدث خلل حال امتلاكنا رؤية واضحة حيال المخاطر المعروفة لكل فرد. ما سيكون له آثار خطيرة على الأشخاص الأقل حظا. التأثير على السلوك المعضلة الثالثة: إلى أي حد يعد استخدام البيانات للتأثير على سلوك الآخرين أمرا مقبولا؟ فنحن بالفعل معتادون على رؤية الإعلانات "الملائمة" لنا وذلك بفضل عملية الاستهداف المحدد أو النشاط التسويقي الموجه الذي يزيد بشكل كبير من احتمال القيام بعملية الشراء. مثال آخر على ذلك طريقة عرض "نيتفليكس" للحلقات. يبقى النقاش حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية مجرد بداية. كما أن نوعية الأخبار التي نتعرض لها يمكن بسهولة التلاعب بها، كما أظهرت المناقشات الأخيرة في هذا الإطار حول "الأخبار الوهمية" وما يسمى "فقاعة التصفية" وهي ظاهرة تنبؤ المواقع الإلكترونية بالمعلومات التي يرغب المستخدم في إيجادها وإقصاء المعلومات التي لا تتناسب مع رغبته. كل هذه التوصيات والإغراءات التي فرضت علينا تقوم على معرفة عميقة بمحفزاتنا غير الإرادية وبالتالي تسلب منا بصورة متزايدة الإرادة الحرة في الاختيار. من المسؤول عن تحديد ما هو كاف؟ يكاد يكون من المستحيل للشركات عدم المشاركة في السباق غير المحترم لجمع البيانات. فالشركات التي تحترم ذاتها يجب أن يكون لديها استراتيجية مدروسة لتحفيز العملاء على مشاركة أكبر قدر من بياناتهم الشخصية. حيث يتم تعيين كبار محللي البيانات لدراسة وتفكيك هذه البيانات والإسراع في إيجاد "حالات الاستخدام" أو إيجاد تطبيقات بهدف كسب مزيد من المال خلال هذه المعلومات. يستطيع عدد محدود من الشركات خوض نقاش مفتوح حول هذه المعضلات الأخلاقية الثلاث، كون قوى السوق تدفعهم للمشاركة في هذه اللعبة. لذا فإن خطر وصولنا في نهاية المطاف إلى وضع غير مرغوب يعد كبيرا، أو على الصعيد الاقتصادي: السعي إلى تحقيق مصالح فردية من الرقمية، قد يترتب عليه تأثيرات سلبية كبيرة على المجتمع ككل. فقد يشعر الناس بأنهم مجبرون على مشاركة بيانات لا يرغبون فعلا بمشاركتها وذلك من أجل الاستمرار. قد تشهد حالة التضامن تراجعا، وقد ندفع للقيام بأشياء لا نرغب في القيام بها. لن يكون كافيا في السنوات القادمة حصر الجدال الرقمي بموضوعي الخصوصية والقوة السوقية فقط. بل علينا توسيع النقاش وأن نتذكر دائما أن المعضلات المتعلقة بجمع البيانات واستخدامها هي مواضيع مهمة جدا يجب عدم تركها وشأنها للشركات فقط للبت فيها.
إنشرها